ربما كُتب على المبدعين ان تُفتح "دفاتر" إبداعاتهم عقب وفاتهم، وربما كنا نعرف أهميتهم والإنجازات التي حققوها سواء للوطن او على المستوى الشخصي، لكن غرور وجودهم بيننا لطالما كان يدفعنا لاعتبار تلك الإنجازات أمراً لا يستحق التكلم عنه كثيراً متسلحين بلعبة الزمن، بحيث سمحنا للحاضر أن يهيمن ويتسلط على ماضٍ مشرق، لا لشيء إنما لكوننا في وطن نعيش فيه للحاضر فقط ولا نجرؤ على التفكير ولو لبرهة قصيرة في المستقبل، فكيف هو الحال مع الماضي.

لكن رحيل المدرب ​عدنان الشرقي​ صانع المجد وكاتب التاريخ، ربما أعادنا قليلاً إلى جادة الصواب، فغياب هذا الرجل ترك الكثير من الأثر في النفوس وأعاد تذكيرنا بأن المبدع وصاحب الإنجازات في وطننا يبقى مجرد اسم حتى موعد رحيله، وعندها لا تَعُد تلك المسيرة المضيئة سوى ذكرى، ولا تعُد الأوسمة سوى رحلة عابرة افتقدها المبدع نفسه في حياته.

رحل عدنان الشرقي مدرب ​الأنصار​ و​منتخب لبنان​ وصاحب الفضل في وضع اسم لبنان ضمن موسوعة غينيس العالمية بصمت، لكن الشرقي وغيره من مبدعي لبنان في كل المجالات ماتوا أكثر من مرة في حياتهم حالهم كحال الكثير من اللبنانيين،حتى ظن البعض ان موتهم الحقيقي ربما يكون راحة لهم في وطن يتجاهل ابداعات ابنائه ويتغاضى عن معاناتهم.

كان عدنان الشرقي فيلسوفاً في مهنته وشغوفاً بنقل كل ما وصلت اليه اساليب التدريب في العالم، الى ملاعب بعيدة كل البعض عن تطور كرة القدم، وإلى لعبة عبثت وتعبث في مقدراتها التفاصيل اليومية الحياتية للمواطن اللبناني بشكل عام ولاعب كرة القدم بشكل خاص، ومع ذلك تمكن من ترك بصمة "عالمية" ستبقى محفورة في كتب التاريخ.

لم تكن انجازات عدنان الشرقي مع نادي الأنصار تعني الأخير لوحده، كانت انجازات لكل الوطن ومع ذلك لم يبعها بأثمن الأسعار، وأصر طوال فترة مسيرته التدريبية على عدم تقاضي اي مبلغ مالي لا مع نادي الأنصار ولا مع المنتخب اللبناني، وبقي هاوياً للعبة التي أحب ومحترفاً في أخلاقه وتواضعه مع الجميع.

ربما حان الوقت للقول عذراً عدنان الشرقي، فقد عرفناك مبدعاً ورائعاً ومحباً طوال مسيرتك الرياضية كلاعب او مدرب، لكننا لم نكن نعرف كم كنت مهماً بالنسبة لنا إلا بعد رحيلك، مع اننا كنا نشعر باهتمامك بنا على أرض الملعب وخارجه وفي المعسكرات التي رافقناك فيها، الا اننا اعتبرنا يومها اننا سنردها لك يوماً ما. رحم الله المدرب عدنان الشرقي.