عندما تُذْكر كرة القدم الفرنسية بـ"الخير"، فإن أول ما يتبادر إلى أذهان الجيل الجديد من الشباب منتخب الديوك الفائز بكأس العالم 1998 وكأس أمم أوروبا 2000 بقيادة النجم زين الدين زيدان ورفاقه الذين باتوا اليوم على مقاعد البدلاء كمدربين. لكن المعنى الحقيقي للنجاح على صعيد الاندية لم يجسّده سوى ​مرسيليا​ محلياً وأوروبياً خلال الحقبة الذهبية أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات والتي توّجت بالفوز بدوري أبطال أوروبا عام 1993على يد لاعبين أقل ما يمكن وصفهم الآن بأنهم أساطير النادي الجنوبي.


واليوم يعود مرسيليا إلى موقعه الطبيعي أي صدارة الدوري الفرنسي بعدما أثبت الفريق بقيادة المدرب ​مارسيلو بيلسا​ قدرته على الصعود إلى منصات التتويج للمرة الأولى منذ العام الفين وعشرة وهي المرة الأخيرة التي رفع فيها الـ"OM" لقب الدوري، ليتربع حالياً على القمة مع انتهاء القسم الأول وبفارق ثلاث نقاط عن غريمه وحامل اللقب في الموسمين الماضيين باريس سان جيرمان.


من جان بيار بابان، ابيدي بيليه، جان تيغانا، كريس وودل، بازيل بولي، ديدييه ديشان، إنزو فرانشيسكولي، فابيان بارتيز، مارسيل دوسايي، رودي فولر، توني كاسكارينو، فابريتسيو رافانيلي وديدييه دروغبا إلى أندريه - بيار جينياك، ستيف مانداندا، ديميتري باييه وأندريه أيوو، تعود القافلة البيضاء لرسم البسمة في "الفيلودروم" على مرأى ومسمع الباريسيين ومحبي باريس سان جيرمان الذي ظنوّا أن رحلتهم نحو اللقب الثالث على التوالي ستكون سهلة، وبدأوا التفكير بالبطولة الأهم أي دوري أبطال أوروبا.


إلا أن الصعود الصاروخي لرجال المدرب بيلسا في الدوري الفرنسي بعثر كل الحسابات. ولم تنفع أسماء النجوم الرنّانة أو إغداق مئات الملايين في سوق الإنتقالات في الحفاظ على هيمنة الفريق الباريسي الذي وجد نفسه يتخبط يميناً وشمالاً بحثاً عن هوية مفقودة هذا الموسم. وكانت الفرصة لإدارة مرسيليا من أجل إغداق "المعنويات" في نفوس اللاعبين الشباب بقيادة مدرب خبير وعنيد يعرف من أين تؤكل الكتف ومن أين تُنتزع الألقاب والبطولات، فحصد الفريق النجاح تلو الآخر حتى بات يتبوأ الصدارة عن جدارة واستحقاق.


أثبت مرسيليا مرة أخرى أنه قادر على تحقيق النجاح بميزانية معقولة ولاعبين شباب لا يدخلون ضمن قائمة الفيفا كأفضل اللاعبين في العالم، مما يعني نموذجا جديدا لتغلب لغة الحكمة والتوازن في الملعب على ثقافة الإنفاق وضخ الأموال (باريس سان جيرمان وموناكو) من أجل فرض مفهوم الخوف من المنافس والتسبب بخسارته معنويا خارج الملعب قبل أن تكون فنية داخله.


ربما يرى البعض ان مرسيليا سيصبح رقماً صعباً في الكرة الفرنسية وربما الأوروبية في الأعوام المقبلة، إلا أن البعض الآخر يشير إلى ان الفريق لا يزال طريّ العود والدليل خسارته هذا الموسم أمام الفرق الكبيرة (ليون، باريس سان جيرمان وموناكو). ومع ذلك فإن مرسيليا يحتل الصدارة وهو الأقوى هجوماً ويكفي ان لاعباً مثل جينياك قد تفوق على زلاتان ابراهيموفيتش وادنيسون كافاني. ولكن تبقى العبرة في ان يتمكن مرسيليا من انهاء المشوار في المركز الاول وليس الاكتفاء باحتلال هذا المنصب لفترة من الوقت، ويعود الى حصد اللقب الغالي كما حدث في العالم الفين وعشرة.