عند السابعة صباحاً في وسط مدينة دبي ​الإمارات​ية، تكتظ مساحة فارغة بحوالي 200 شخص معظمهم من الرجال، يستخدمون مضارب وكرات مدعّمة في لعبة ​الكريكيت​، ضمن موعد رياضي أسبوعي في الدولة الخليجية وكذلك جيرانها في المنطقة.

وينظّم هؤلاء الهواة وغالبيتهم من العمّال المهاجرين، حوالي اثنتي عشرة مباراة في نهاية كل اسبوع في مواقف للسيارات بالقرب من الحي المالي بالمدينة الثرية المعروفة بأماكنها الترفيهية الفخمة.

بالقرب منهم، توقّفت سيارات شرطة لتؤمّن الحماية للمكان وتتدخّل إذا حاول أحد اللاعبين تقديم الكحول او إثارة المشاكل، في وقت يتوجّه آلاف إلى المقاصد الترفيهية او إلى عملهم في خط للمترو فوق الأرض مطل على مواقف السيارات.

وحتى في الوقت الذي تستعدّ قطر المجاورة لاستضافة أول بطولة كأس العالم لكرة القدم على أرض عربية وفي الشرق الأوسط، فإنّ تركيز العمال في الإمارات ودول الخليج الاخرى انصب على كأس العالم للكريكيت تي-20 التي اختتمت في أستراليا الأحد.

فيصل​، ال​باكستان​ي البالغ من العمر 35 عامًا ويعمل سائق أجرة، يتابع البطولة بشغف لدرجة أنه كاد يتسبّب بحادث عندما فازت ​الهند​ على باكستان.

قال لوكالة فرانس برس: "كنت على وشك التعرّض لحادث - كنت أشاهد على هاتفي مباراة الهند وباكستان"، مضيفا "نحن نحب لعبة الكريكيت حقًا".

وليس هناك شك في أن الكريكيت هي الرياضة الرئيسية بين العمال المهاجرين في الخليج الذين سلّطت بطولة كأس العالم الضوء على ظروف معيشتهم في الدول الخليجية الغنية.

- متنفّس -

غالبًا ما يمكن مشاهدة لعبة الكريكيت في الشوارع في دبي ما يجعلها تبدو أكثر شيوعًا من كرة القدم، وهذا نتيجة للأعداد الهائلة من العمال من جنوب آسيا في المنطقة، بما في ذلك ما يقدر بنحو 3,5 ملايين هندي في الإمارات يشكّلون حوالى ثلث سكان الدولة.

وقال الوافد الهندي ​دينيش بالاني​ (49 عاماً) "نواصل متابعة نتائج المباريات حتى أثناء لعبنا الكريكيت"، مضيفاً "أثناء العمل، أثناء وجودنا في الحمام أو في أي مكان، نتابع لعبة الكريكيت".

مع ارتفاع حرارة الصباح في تشرين الثاني/نوفمبر، يصل المزيد من اللاعبين ويمسكون بأكواب ورقية من شاي الكرك وأكياس بلاستيكية وُضعت فيها مضارب أثناء خروجهم من سياراتهم.

وتدور لعبة بين أطفال في أحد أركان ساحة انتظار السيارات، بينما يخضع فريق نسائي بالكامل لجلسة تدريب على الكريكيت في ركن آخر.

بالنسبة لبالاني، الذي يعمل في مجال العقارات، فقد قال إنه يلعب الكريكيت في الشوارع في دبي منذ عام 1995، وهو يدير فريقًا يضم 30 لاعباً. وقال إنّه بالنسبة للعديد من العمال الذين غالبًا ما يعملون في وظائف مملّة أو مرهقة، فإنّ لعبة الكريكيت هي متنفسهم.

وأوضح "هذا مكان ننسى فيه كل ما يحدث معنا (...)، هذا هو المكان الوحيد الذي نستمتع فيه بالخارج. لا أحد هناك ليديرنا. نحن مدراء انفسنا".

- لقاء عائلي -

تقول مرين فادساريا (22 سنة) التي نشأت في نيوزيلندا وتلعب مع فريق السيدات، إن الهندي فيرات كوهلي هو لاعبها المفضل، في حين أنّه لا يمكنها تسمية أي لاعب كرة قدم.

وقالت "لقد نشأت خارج الهند، ولم أكن مهتمة بالكريكيت أبدًا. لكنني أعتقد أن (لعب كريكيت الشوارع) جعلني أرغب في متابعة لعبة الكريكيت أكثر. ولأنه شيء مهم في بلدي في الهند، أعتقد أنه جعلني أقرب إلى ثقافتي".

يتمتع اللاعبون ورياضتهم بتاريخ متجول، حيث ينتقلون من مكان إلى آخر بينما تتكاثر الأبراج السكنية الشاهقة والمراكز التجارية في المساحات الفارغة في دبي.

في الوقت نفسه، أصبحت الإمارات لاعباً أساسياً في لعبة الكريكيت على المستوى الاحترافي، حيث استضافت مباريات باكستان على أرضها لأكثر من عقد بعد هجوم عام 2009 على فريق سريلانكا في لاهور.

وانتقل الدوري الهندي إلى الإمارات لمدة عامين خلال وباء كوفيد-19، كما استضافت الدولة الغنية بالنفط كأس العالم "تي-20" العام الماضي، إلى جانب العديد من كؤوس آسيا.

ويقول بالاني ان الرياضة الشعبية هذه تعزز الروابط بين مجتمعات العمال المهاجرين، موضحاً "هذا ما فعلناه منذ سن الخامسة. بدأنا اللعب ولم نتوقف أبدًا منذ ذلك الحين".

وتابع: "إنّه جزء لا يتجزّأ من حياتنا أصبحنا أصدقاء بفضل لعبة الكريكيت ثم أصبح أطفالنا أصدقاء، وهكذا دواليك"، مضيفاً "هذه ليست لعبة كريكيت فحسب، بل إنّها أيضًا بمثابة لقاء عائلي".