بعد مرور 53 عامًا على الرسالة الاحتجاجية التي وجهّها الأميركيان ​تومي سميث​ و​جون كارلوس​ على منصة التتويج في ​أولمبياد مكسيكو​، يستعد جيلٌ جديدٌ من الرياضيين الناشطين لتصدّر العناوين للأهداف ذاتها في ألعاب ​طوكيو​.

واجه العداءان الأميركيان عقوبة قصوى بسبب تحية "القبضة بالقفازات السوداء" في دورة العام 1968، وطُردا من الألعاب وعادا إلى الوطن حيث اتُهما بالسلوك المخزي على نطاق واسع.

ولكن بعد أن تغيّرت المواقف تجاه سميث وكارلوس مع مرور الوقت، حيث يُحتفل الآن بالثنائي كبطلين منهاضَين من أجل الحقوق المدنية، لا تزال اللجنة الأولمبية الدولية تعارض أي نوع من الاحتجاج على منصات التتويج.

يعني ذلك أن الرياضيين الأميركيين العازمين على استخدام منصاتهم للفت الانتباه إلى الظلم العنصري الذي عاد الى الواجهة بشكل لافت في أعقاب مقتل جورج فلويد العام الماضي، هم في مسار تصادمي مع القيّمين على الأولمبياد.

لسنوات، استرشدت اللجنة الدولية بالقاعدة رقم 50 من ميثاقها الأولمبي، والتي تنصّ على أنه لا يُسمح "بأي نوع من التظاهرات أو البروباغندا السياسية أو الدينية أو العرقية" في المواقع أو المنشآت الأولمبية.

ومع ذلك، فقد تعرّض هذا المبدأ "للانتهاك" خلال اضطرابات عام 2020 وبات يَنظر إليه النقاد على أنه مفهومٌ عفا عليه الزمن من حقبة ماضية، حيث أظهر الرياضيون في جميع أنحاء العالم دعمهم لحركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمة).

في الولايات المتحدة، أجبرت الاحتجاجات المناهضة للعنصرية اللجنة الأولمبية والبارالمبية الأميركية على اتخاذ منعطف دراماتيكي.

في عام 2019، وجّهت اللجنة توبيخًا لرامية المطرقة ​غوين بيري​ والمبارز ​رايس إمبودين​ بسبب المظاهر الاحتجاجية على منصة التتويج خلال ألعاب القارة الأميركية في العاصمة البيروفية ليما، محذّرة من أن عقوبات أكثر قساوة في انتظار الرياضيين الذين يقومون بذلك في الألعاب الأولمبية.

لكن المشهد تغيّر في أعقاب مقتل فلويد، حيث راجعت اللجنة قواعدها وباتت تسمح بالاحتجاجات مثل الركوع على ركبة أو رفع القبضة المشدودة على المنصة.

- الاحتجاج على منصات التتويج -

في حين أن تغيير القاعدة ينطبق فقط على المنافسات المحلية، فقد أوضحت اللجنة الأولمبية الأميركية أنها لن تعاقب الرياضيين الذين يحتجون في ألعاب طوكيو التي تنطلق في 23 تموز/يوليو الحالي.

وقالت المديرة التنفيذية لللجنة سارة هيرشلاند "من الأهمية القول بشكل لا لبس فيه إن حقوق الإنسان ليست سياسية، ويجب عدم الخلط بين الدعوات السلمية للإنصاف والمساواة من جهة والتظاهرات الانقسامية من جهة أخرى".

تؤكد بيري التي عوقبت من اللجنة الاميركية في 2019 أنها لن تتردد في الاحتجاج في حال فازت بميدالية في طوكيو.

قامت اللاعبة البالغة 32 عامًا بوقفة احتجاجية خلال التجارب الاميركية في سباقات المضمار والميدان الشهر الماضي في ولاية أوريغون، عندما أدارت ظهرها للعلم الأميركي عند عزف النشيد الوطني خلال حفل توزيع الميداليات.

وقالت بيري بعد تأهلها إلى طوكيو "عندما أصل إلى هناك سأفكّر بما سأقوم به. ما عليّ فعله هو التحدث باسم مجتمعي، تمثيل مجتمعي ومساعدة مجتمعي، لأنه أهم بكثير من الرياضة".

ومع ذلك، رفضت اللجنة الأولمبية الدولية صرف النظر عن القاعدة 50. في حين أن الإرشادات المحدّثة الصادرة في 2 تموز/يوليو تسمح للرياضيين الاحتجاج بشكل سلمي قبل المنافسات، لا يزال أي نوع من التظاهرات على المنصة ممنوعًا.

ولكن ما هو غير واضح حتى الآن هي العقوبة التي سيواجهونها.

تنص قواعد اللجنة الأولمبية الدولية المحدّثة على أن العواقب التأديبية ستكون "متناسبة مع مستوى الزعزعة ودرجة المخالفة التي لا تتوافق مع القيم الأولمبية".

- التهويل أكبر من الفعل؟ -

ترى "غلوبل أثليت" وهي منظمة غير هادفة للربح تدافع عن الرياضيين في جميع أنحاء العالم والتي كانت دائمًا معارضة للقاعدة 50، أن تهويل اللجنة الأولمبية الدولية قد يكون أكبر من فعلها عندما يتعلق الأمر بمعاقبة الرياضيين.

قال ​روب كوهلير​ المدير العام للمنظمة في حديث مع وكالة فرانس برس "سأتفاجأ كثيرًا في حال عاقبت اللجنة الدولية أي شخص يركع على ركبة واحدة أو يرفع قبضته على منصة التتويج. إذ إن ردة الفعل العنيفة من المجتمع ستكون هائلة، سيواجهون بعض الأمور التي لا يمكنهم التعافي منها أبدًا".

وتابع "تتحدث اللجنة الأولمبية الدولية عن هذا النهج العقابي القاسي، قُم بذلك وستكون خارج الألعاب. لكنها عقوبة تعسفية. لا توجد قواعد حقيقية بشأن ما سيحدث إذا فعلتَ ذلك".

يسائل كوهلير أيضًا ادعاء اللجنة الدولية بأنها منظمة غير سياسية، مستشهداً بأمثلة حديثة مثل السماح بتواجد فريق موحّد للهوكي على الجليد للكوريتين الجنوبية والشمالية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018 في بيونغتشانغ.

ويؤكد "اللجنة الأولمبية الدولية ليست محايدة سياسيًا، كيف تتوقع شيئًا مختلفًا من الرياضيين ولكنك تتوقعه من نفسك؟" مضيفًا ان رئيس اللجنة الألماني "توماس باخ يلتقي الرؤساء عندما يزور البلدان الاجنبية. لماذا تلتقي الرؤساء؟ لأنها (اللجنة) منظمة سياسية".

ويختم "عليك أن تسمح للرياضيين باتباع نفس النهج الذي تملكه، وإذا كان لديك وجهة نظر بشأن شيء ما، فيجب أن تكون قادرًا على التعبير عنه."