في خضم الأزمة التي أحدثها مشروع "السوبرليغ" داخل البيت الأوروبي، ومن دون التطرق الى وجهات النظر المتباينة سواء للأندية الـ 12 أو الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ومن خلفه الفيفا، كان لافتاً الطريقة التي أُجهض من خلالها هذا المشروع وأدت لولادته "ميتاً" وانسحاب القسم الأكبر من الأندية التي أعلنت في وقت سابق موافقتها على الانخراط فيه.

لطالما تغنّت الفيفا والاتحادات القارية باستقلاليتها ورفضها للتدخل السياسي أو الحكومي في الرياضة، ولطالما اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم مواقف صارمة من هذا الأمر وقام بتجميد عمل الكثير من الاتحادات بسبب هذا التدخل، إلا انه وقف متفرجاً هذه المرة إزاء كل ما حدث من ضغوطات سياسية على أعلى المستويات وفي مقدمها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وآخرين من دول الاتحاد الأوروبي، أدت لانسحاب الأندية الإنكليزية أولاً من ثم بقية الأندية المشاركة، لا بل انه "تمترس" هذه المرة خلف تلك الضغوطات بغية تحقيق هدفه ألا وهو منع إقامة هذا المشروع.

في البداية لا يمكن فهم هذا التدخل السياسي الفاضح في الرياضة لدرجة شعرنا ان هناك انقلاباً عسكرياً وشيكاً سيطيح بالدول الأوروبية، بينما كل القصة كان يمكن حلها من خلال الحوار بين المعنيين من أجل التوصل الى تفاهم مشترك يمنع هذا "الزلزال" الكروي في القارة العجوز.

سمح الاتحاد الدولي ومن خلفه الأوروبي أو سكتا على الأقل عن هذا التدخل السياسي في شؤون الرياضة ولم نسمع تلك الضجة التي كانت تصدر مع كل خلاف بين الحكومات والاتحادات الرياضية، لا بل لم نسمع على الأقل من يخرج علينا ليقول ان المسألة ستحل داخل العائلة الرياضية لوحدها كما درجت العادة، او على الأقل كما عودتنا الفيفااو عبر اللجوء الى المحكمة الرياضية.

من المعيب حقاً ان تُحل تلك الأزمة بواسطة رؤساء الحكومات، ومن المؤسف ان يكون الاتحادان الدولي والأوروبي استفادا من "منطق القوة" الذي أظهره رجال السياسة بغية منع إقامة السوبر الأوروبي، بدلاً من معالجة أصل المشكلة وهي "الفساد" المستشري داخل مجتمع الرياضة وعدم أهلية الكثير من رؤساء الاتحادات القارية لإدارة اللعبة داخل قاراتهم، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى اللعبة وترك معظم الأندية في خضم أزمة مالية مفتوحة لا تُعرف نهايتها بسبب غياب التوزيع العادل والمحق للإيرادات والمداخيل، وزادها تعقيداً انتشار وباء كورونا.

وإذا كان البعض قد وصف مشروع السوبر الأوروبي بأنه "انقلابي" وهو محق، إلا ان ما فعله الاتحادان الدولي والأوروبي بالسكوت عن التدخلات السياسية والسماح بها، يُعد سابقة ووصمة عار على جبين استقلالية الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص عن كل الأمور الأخرى، لا بل انه سيفتح الباب أمام المزيد من التدخلات مستقبلاً ولن يستطيع الاتحاد الدولي عندها الرفض لأنه هو نفسه تعامل بمنطق الكيل بمكيالين وتصنيف قضية بـ"سمنة" وأخرى بـ"زيت".!

اليوم انتهى مشروع السوبر الأوروبي بفضل "سباق التسلح" السياسي ضد قضية رياضية، لكن يبقى لافتاً أيضاً طريقة تعامل رئيس الاتحاد الأوروبي الكسندر تشيفيرين مع تلك الأزمة ولغة الإهانات والفوقية التي جابه بها خصومه والتي لم تكن لتحدث لولا السند السياسي الذي لقيه منذ الأحد الماضي.

يبقى القول انه إذا كانت الأندية الـ 12 قد أخطأت بطرحها هذا المشروع، فإن الاتحاد الأوروبي فشل في إدارة هذه الأزمة بامتياز، ويتعيّن عليه مستقبلاً أن يُعيد بناء الثقة التي اهتزت بشكل مخيف نظير السماح بترك كرة القدم الأوروبية "سلعة" تقاذفها السياسيون على موائدهم وفي اجتماعاتهم.