كان ​الارجنتين​ي دييغو أرماندو ​مارادونا​ الذي فارق الحياة عن 60 عامًا مدربًا سيئًا بقدر ما كان لاعبًا خارقًا للطبيعة، على عكس العديد من الاسماء الكبيرة في كرة القدم التي نجحت في نقل تألقها على ارض الملعب الى القيادة في غرفة تبديل الملابس.

أعاد الهولندي ​يوهان كرويف​ اختراع كرة القدم في برشلونة الاسباني من مقاعد البدلاء بعد أن ابتكرها على أرض الملعب. فيما حقق كل من الالماني فرانس بيكنباور، البرازيلي ​ماريو زاغالو​ والفرنسي ديدييه ديشان لقب ​كأس العالم​ في كلا الدورين.

أما مارادونا ...لم يفز بأي شيء كمدرب باستثناء نيله عقوبات بسبب سلوكه السيئ.

شكّل وصوله الى رأس الجهاز الفني لمنتخب الارجنتين في تشرين الاول/اكتوبر من العام 2008 فرحة عارمة في البلاد التي أملت أن يقودها الى لقب عالمي ثالث في مونديال جنوب افريقيا في العام 2010.

أملت حينها الجماهير أن تتفوق هالة وكاريزما وتأثير نجمها السابق على خبرته القصيرة في عالم التدريب، بعد أن سبق وأشرف على ناديين محليين متواضعين.

إلا أن مشوار التأهل إلى كأس العالم كان مليئًا بالمطبات على الرغم من جيل ضم العديد من المواهب الرائعة أمثال ليونيل ميسي، ​سيرجيو أغويرو​، ​كارلوس تيفيز​، ​خافيير ماسكيرانو​، خافيير زانيتي وغيرهم.

حلّ منتخب التانغو في المركز الرابع بين عشرة منتخبات في تصفيات أميركا الجنوبية، حيث مني خلالها بأسوأ هزيمة في تاريخه وذلك على ارض ​بوليفيا​ بنتيجة 6-1.

ومع اقتراب موعد نهائيات كأس العالم، بات القلق متزايدًا بشأن الاختيارات غير المنتظمة للمدرب الذي فشل في ايجاد تشكيلته الاساسية الدائمة.

وزاد الطين بلة عندما قرر الاستغناء عن خدمات المخضرمين زانيتي وايستيبان كامبياسو، اللذين كانا في قمة عطاءاتهما وتوّجا قبل شهر بدوري ابطال اوروبا مع انتر الايطالي، حيث لم يسافرا الى جنوب افريقيا واستعاض عنهما بلاعبين مغمورين من الدوري الارجنتيني.

انتهى مشوار "ألبيسيليتي" في الدور ربع النهائي بخسارة مذلة برباعية نظيفة امام المانيا، ما أدى الى اقالته ليكون قد استدعى 108 لاعبين الى المنتخب في غضون عامين.

- مشاحنات وعقوبات -

وبعيدًا عن الارجنتين، أشرف لاعب نابولي الايطالي السابق على ستة اندية.

وكانت أولى تجاربه في العام 1994 مع نادي ديبورتيفو تكستيل مانديو، حيث لم يكن قد اعتزل بعد اللعبة في وقتها، الا انه أقصي بعد المباراة الثانية من كأس العالم التي أقيمت في الولايات المتحدة ضد نيجيريا، حيث كانت الاخيرة له بعد ثبوت تناوله منشطات من خمس مواد ممنوعة، فسحبه الاتحاد الارجنتيني من صفوف المنتخب قبل ان يوقفه الاتحاد الدولي 15 شهرا.

كان مانديو، وهو نادٍ صغير من شمال شرق الأرجنتين، يعاني من صعوبات مالية، الا انه راهن بطريقة مفاجئة بالاتيان بمارادونا مدربًا والدولي سيرجيو غويكوتشيا كحارس مرمى.

إلا أن النتائج جاءت كارثية مع تحقيق الفريق فوزًا وحيدًا في 12 مباراة، حيث أنهى الموسم بالسقوط الى الدرجة الثانية ليغرق اكثر في الديون.

انتقل مارادونا في العام التالي الى تدريب نادي راسينغ كلوب العريق الا ان السيناريو لم يكن مختلفًا. فبعد 11 مباراة، اكتفى خلالها بفوزين، رفع اصبعه الاوسط بوجه مشجعي الفريق الخصم كما رمى المياه على الحكم ما أدى الى ايقافه وبالتالي غيابه عد عدد من المباريات.

بعد فشله مع منتخب الارجنتين، انتقل الى تدريب نادي الوصل الاماراتي (2011-2012) وكانت تجربة سيئة داخل وخارج المستطيل الاخضر، حيث تمت معاقبته لمشاجرة مع مدرب خصم قبل اقالته بسبب النتائج السيئة.

شغل بعدها منصب مساعد المدرب في نادي ديبورتفيو رييسترا في بلاده (2013-2017)، قبل أن يعود الى الامارات من بوابة الفجيرة الذي كان ينافس حينها في الدرجة الثانية، حيث لم يمض اكثر من عام بعد فشله في الارتقاء بالفريق الى دوري الاضواء.

وكانت تجربته التدريبية الناجحة الوحيدة في المكسيك حيث حقق نجاحه المذهل كلاعب دولي عندما قاد بلاده الى لقب كأس العالم في 1986، وتحديدًا مع نادي دورادوس دي سينالوا الذي ينافس في الدرجة الثانية.

عند الاعلان عن تعيينه، بدا الأمر وكأنه نوع من المزحة السيئة، إذ إن اللاعب الذي انتهت مسيرته في الملعب بسبب الإدمان على المخدرات، وافق على الانتقال إلى بلد يشتهر بتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة.

بدا الأمر مذهلا لدرجة يصعب تصديقه، حتى أنه أصبح سلسلة وثائقية على شبكة نتفليكس العملاقة لللبث التدفقي.

إذ تروي سلسلة "مارادونا في مكسيكو" قصة الارجنتيني الذي حاول إعادة إنعاش النادي الذي لعب لصالحه سابقًا الاسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الانكليزي الحالي.

عند وصوله، لم يكن دورادوس قد فاز بأي من مبارياته الست الاولى في دوري "أبيرتورا". ولكن تحت إشراف مارادونا، فاز الفريق بست مباريات وخسر واحدة ليتأهل الى الادوار الاقصائية "بلاي اوف" حيث بلغ النهائي قبل ان يسقط في التمديد امام اتلتيكو سان لويس.

وقال مارادونا في الوثائقي في رد على سؤال عما إذا أثبت للعالم انهم كانوا مخطئين بحقه "كنت أدرك ما أنا قادر على القيام به".

وتابع: "لم أتأذى أبدًا من الامور السخيفة التي قالوها الناس عني ولن أشكرهم الآن".

أما توم ووكور منتج السلسلة فقال في حديث مع وكالة فرانس برس: "لم يتوقع الناس أن يكون لسلطة مارادونا مثل هذا التأثير".

إلا أن ذلك لم يكن كافيًا. بلغ الفريق تحت اشرافه النهائي ايضًا في الموسم الثاني الذي خسره مجددا قبل ان يرحل لدواعٍ صحية.

وكشف المسلسل كيف استجاب اللاعبون، في الظروف المناسبة، لمارادونا لكنه أظهر أيضًا كيف كان يفقد أعصابه غالبًا.

يقول رئيس دورادوس أنطونيو نونيس "دييغو رجل عاطفي للغاية...المشاعر الناتجة عن هذه المباريات تدفعه إلى القيام بأشياء غير متوقعة."

وفي العام 2019، استعان ناد أرجنتيني آخر يعاني من صعوبات بخدماته بعد أن استنجد به نادي خيمناسيا دي لا بلاتا، حيث ملأ المشجعون الملعب في يوم تقديم مارادونا كمدرب. استقال في منتصف الموسم قبل أن يعود مجددًا.

رغم كل الاخفاقات في عالم التدريب، الا ان هالة مارادونا لا تزال ستبقى خالدة.