تصح كل التسميات التي اطلقت على قرار الارجنتيني ليونيل ميسي بمغادرة فريق العمر برشلونة الذي قضى فيه نحو عقدين من الزمن، وبات حجر الزاوية فيه. وقيل ان القرار هو بمثابة "قنبلة" و"زوبعة" و"زلزال" وغيرها من الامور، وهو امر صحيح، ولكن هناك وجهة نظر اخرى لا بد من التوقف عندها ملياً.

وصل ​رونالد كومان​ المدرب الجديد لبرشلونة وميسي الى التحدي الاكبر في حياتهما او تحدي العمر. ليس كومان هذا الشخص البسيط، فهو مدافع اعطى برشلونة قيمة كبيرة وكان حجراً اساسياً فيه ويدرك بما لا يقبل الشك اهمية التغيير الجذري الذي يحتاجه الفريق في خط الدفاع كونه "كارثي" بكل المعايير، كما ان تجربته في عالم التدريب لا يستهان بها، وهو لم يتخل عن تدريب ​المنتخب الهولندي​ من اجل خوض مغامرة فاشلة في النادي الكتالوني. وحين قبل التحدي باستلام زمام الامور في الفريق، اخذ في الاعتبار كل الاحتمالات، ومن المؤكد انه وضع خطة للتعامل مع امكان رحيل ميسي عن الفريق، مع كل ما يعنيه ذلك من ضغط هائل على كاهل الهولندي الذي سيعتبر عندها انه يتعامل مع اي فريق في العالم لا يضم ميسي في صفوفه، وهذا لا يعني تأكيد فشل الفريق الذي حقق على ايامه (اي قبل ميسي) الكثير، وهناك فرق اخرى حققت ايضاً القاباً مهمة. اذاً التحدي الرئيسي لكومان هو بدء مسيرة برشلونة ما بعد ميسي، واحداث "ثورة" في مقاربة كرة القدم مع النادي دون الاعتماد على نجمه، وهو امر لم يحصل منذ نحو 20 سنة.

اما ميسي، فالتحدي الابرز بالنسبة اليه هو اثبات نفسه في ناد آخر، لان الكثيرين يأخذون عليه ان نجاحه يعود فقط الى التجانس الكبير القائم بينه وبين زملائه في النادي، وانه هو الذي يضع الخطط و"يفرض" طريقة اللعب على الجميع، ويحصر الاعتماد عليه فقط، فيلمع نجمه ويحقق الاهداف التي وضعها. غير انه اذا ما لعب في صفوف فريق آخر لا يملك فيه ميزة "فرض" آرائه، فعندها ستظهر قدراته الحقيقية، وما اذا كان بالفعل افضل لاعب في العالم ام لا. ولا ينتهي التحدي عند هذا الحد بالنسبة الى "البرغوث"، اذ عليه ان يأخذ في الاعتبار تقدمه في السن بالنسبة الى عالم كرة القدم، فهو يبلغ حالياً 33 عاماً وبالنسبة الى الكثيرين، فإن هذه المرحلة هي الاكثر تراجعاً للاعبين من حيث الاداء والعطاء، ولكن الارجنتيني يثق على ما يبدو بقدراته الى حد جعله يخوض هذا التحدي المصيري الذي يمكن ان يقوّض صورته بشكل كبير في حال الفشل. اما في حال انتقاله الى الارجنتين كما كان قد حدد سابقاً لانهاء مسيرته الكروية الحافلة، فيكون عندها قد حسم خياره بالاعتزال الهادىء بعيداً عن الاضواء والصراعات القوية.

انه تحدي العمر للرجلين، وهما سيكتبان من خلاله، كل وفق رغبته وكفاءته، صفحة جديدة في تاريخهما، يأمل كل منهما ان تكون مشرقة وناجحة.