لطالما اعتُبر ​الإتحاد الدولي لكرة القدم​ المنظمة الأقوى في العالم. استقبالات لرئيس الفيفا كرؤساء الدول، ميزانيات وأرباح طائلة، قرارات نافذة تمنع الأنظمة السياسية من التدخل في عمل الإتحادات الرياضية، استحقاقات عالمية تستقطب اهتمام وأنظار الكرة الأرضية قاطبة، مواعيد بطولات أدق من الساعات السويسرية لا تحيد ولا تخيب.

اليوم وبسبب أزمة كورونا تبدو كل تلك المنظومة عاجزة عن تحديد موعد مباراة واحدة، مستسلمة لكابوس يقضّ مضاجع كل العالم، متسلحة بالإنسانية بدلاً من الغطرسة، ومهتمة بالقيم الحقيقية للعبة كرة القدم بدلاً من التفكير بالأرباح فقط والرعاة وأباطرة النقل التلفزيوني، اليوم تجد الفيفا نفسها مضطرة لاتخاذ خطوات الى الخلف بدلاً من التفكير بمخططات لسنوات مقبلة لا تعد ولا تحصى.

عندما يقول رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ​جياني انفانتينو​ "كرة القدم بعد فيروس كورونا ستكون مختلفة تماماً"، فإنه يعي ما يقول ويدرك جيداً ان حال الفيفا بعد كورونا ليس كما قبله، بعدما فرضت تداعيات الأزمة الكثير من الوقائع التي لا يمكن تجاهلها، تلك الوقائع التي ستضع الاتحاد الدولي لكرة القدم أمام الكثير من التحديات أقلها يسبب "صداعاً" وأكثرها يوّلد فوضى.

من الواضح اننا مقبلون على مرحلة جديدة في عالم الكرة المستديرة، مرحلة قد يصعب معها تحديد الأولويات حيث سيتحول شعار "مباريات أكثر إمتاعاً" الى مباريات أكثر أماناً وهذا يتطلب الكثير من القرارات الموجعة بالنسبة للفيفا، ومنها تقليص عدد المباريات والبطولات في محاولة لإضفاء روح جديدة على اللعبة شعارها الأول سلامة النفوس قبل الفلوس، واحترام الخصوص قبل النصوص.

ومما لاشك فيه ان المرحلة الجديدة ستحمل الكثير من المشاكل بالنسبة للاتحاد الدولي لكرة القدم، لعل أهمها إعادة جدولة المباريات والبطولات او اختصارها، والأعباء المالية التي ستتكبدها الاتحادات المحلية، حيث ستجد الفيفا نفسها مضطرة للوقوف الى جانبها منعاً من انهيارها وبالتالي انهيار السقف على الجميع، اضف الى ذلك عقود اللاعبين وعقود الرعايا وحقوق النقل التلفزيوني لبطولات لا يُعرف موعدها ولا إمكانية استمرار تأجيلها او الغائها، وهذا الأمر بحد ذاته قد ينعكس سلبا على الفيفا ويكبدها خسائر باهظة.

خلّفت أزمة كورونا زلزالاً بارتدادات سلبية على كل العالم ومنها كرة القدم، لذلك لن يكون بوسع انفانتينو من الآن وحتى إشعار آخر سوى التحدث بلغة مختلفة لا تتضمن مواعيد بطولات ولا مخطات مستقبلية ولا حتى مشاريع طويلة الأمد، بعدما بات الأمان الإجتماعي والصحي لكل مشجع حول العالم وفي أصغر مدينة وقرية وحي أهم مئة مرة من فرحة انتصار بفوز هذا الفريق أو ذاك، وبعدما باتت المستشفيات والمراكز الصحية هي المدرج الأول لأكثر من مليون شخص في الكرة الأرضية!.