إنضم السائق الفنلندي فالتيري بوتاس الى فريق ​مرسيدس​ في عام 2017 آتيًا من فريق ويليامز المتواضع ليحلّ مكان بطل العالم السابق ​نيكو روزبرغ​ الذي إعتزل في نهاية موسم 2016. كان من الواضح أن سرعة بوتاس لن تكون بمثل سرعة روزبرغ وأن زميله الجديد ​لويس هاميلتون​ سيتفوّق عليه بسهولة. وهذا بالتحديد ما أرادته مرسيدس كون العلاقة بين روزبرغ وهاميلتون كانت متأزمة لدرجة كادت تفجّر الفريق.

أرادت مرسيدس الإتيان بسائق لا ينفعل وينفّذ الأوامر وأن لا يُزعج هاميلتون الذي تعتبره جوهرتها التي يجب حمايتها بأي ثمن، وبوتاس كان السائق الملائم لهذا الدور. بالتأكيد من غير المعلوم ما هي شروط العقد التي وقّع عليه بوتاس مع مرسيدس، ولم يتم منحه سوى عقد سنة واحدة في 2017. تمكن بوتاس من الفوز ب3 سباقات في ذلك الموسم، وما ساعده على ذلك هو تفوّق سيارة فريقه بشكل كبير على باقي المنافسة، لكن في نفس الوقت لم يشكّل خطر على هاميلتون، لا بل إن الإنتصارات التي حققها أتت مناسبة جدًا للبريطاني كونها سحبت النقاط من يد منافسه الأساسي سائق فريق ​فيراري​ ​سيباستيان فيتيل​ فيما هو كان غير تنافسي في تلك السباقات.

في 2018 جددت مرسيدس عقد بوتاس لسنة واحدة أيضًا لكنها إضطرت الى البدء بتطبيق إستراتيجيتها معه بشكل علني كون فيراري أصبحت قوية ولم يعد بإمكانها التفريط بالنقاط كما كان يحصل بالسنوات السابقة. وهكذا بتنا نرى أنه في العديد من السباقات أصبحت مهمة بوتاس أن يكون "مِطب" أمام فيتيل في السباقات، أي أن يؤخره كي يعطي فرصة لهاميلتون بالفرار أو العكس. هذا يعني أنه حرفيًا كان يتم التضحية به من أجل مصلحة هاميلتون.

في السباق الروسي الذي أقيم في نهاية الأسبوع الماضي كانت "أوامر الفريق" واضحة لدرجة أنه تم الطلب من بوتاس الذي كان يتصدر السباق وكان يمكن له الفوز به بأن يبطئ وان يدع هاميلتون الذي كان في المركز الثاني أن يتخطاه. قال الفريق لبوتاس أن هاميلتون لديه مشكلة في إطاراته الخلفية وعليه أن يدعه يمر. وللمرة الأولى بدا بوتاس كأنه قد طفح الكيل معه، فسمعناه يسأل الفريق في اللفات الأخيرة إن كان سيأمر هاميلتون بإعادة المركز الأول اليه لكن الجواب كان "لا".

وبعد إنتهاء السباق شوهد بوتاس وهو يقترب من سيارة هاميلتون ليتأكد من حالة إطاراته الخلفية إن كانت فعلًا متضررة بالشكل الذي وصفه له الفريق.

منصة تتويج السباق الروسي كانت كئيبة حيث أن لا هاميلتون كان يمكن له الإحتفال بفوز لا يستحقه وبوتاس كان غاضب جدًا والخيبة بادية على وجهه. ما حصل بالأمس أعاد لنا ذكريات العلاقة بين ​مايكل شوماخر​ و​روبنز باريكيلّو​ الذي كان دائمًا ما يتم التضحية به في السباقات من قبل فريقه فيراري لمساعدة الألماني على الفوز.

لكن لا يجب أن ننسى أن الفورمولا 1 هي رياضة "فريق" ولا يمكن لسائق أن يضع مصلحته الشخصية أمام مصلحة فريقه، وما قامت به مرسيدس بالأمس هو أمر مفهوم وطبيعي ومتوقّع. لكن الأمر غير المتوقّع هو ردة فعل بوتاس الذي حين إنضم الى الفريق الألماني كان يعلم ما ينتظره وما ستكون مهامه، وفي حال إعتقد أنه ستصبح لديه الأولوية على هاميلتون فهذا سوء تقدير كبير منه. لا يجب على بوتاس نسيان أن أي سائق يتمنى القيادة لمرسيدس ويمكن إستبداله فورًا.