ودع ​المنتخب الأرجنتيني​ ​كأس العالم​ روسيا 2018 من الدور الثاني حيث فشل منتخب التانغو مجددا من إحراز اللقب الغائب عن خزائنه منذ عام 1986.

ولم يكن الوداع الأرجنتيني مفاجئا بعد بداية بطيئة في الدور الأول وتأهل بشق الأنفس من ​دور المجموعات​ كان قد سبقه وصول صعب للنهائيات استوجب آنذاك" تدخلا كروي سريعا " من نجم الأرجنتين الأول ميسي في الأمتار الأخيرة.

وإذا ما نظرنا إلى التشكيلة الأرجنتينية، نجد بأن الفريق يمتلك أسماء لا بأس بها وهي تتوزع من ناحية النوعية إن صح التعبير إلى أكثر من قسم. القسم الأول وهو قسم " اللاعبين الأفضل في العالم " والذي يحتله ميسي بمفرده، أما القسم الثاني فهو قسم نجوم الصف الأول عالميا كأغويرو، ​دي ماريا​، ​هيغواين​، ​ديبالا​، ​ماسكيرانو​، أوتاميندي والقسم الثالث هو قسم اللاعبين الجيدين كروخو، بيليا، بانغيا، تافيليكو وغيرهم فيما هناك قسم أخير في التشكيلة الأرجنتينية لن نسمي أحدا منه لكنه يعتبر عبئا على المنتخب إذا لم نقل بأن وجودهم هو من باب المجاملة أكثر منه من باب أحقية الوجود في التشكيلة.

وفي ظل وجود الأسماء المميزة، ليس في هذه الفترة فحسب بل منذ عام 1990 وصولا إلى اليوم لكن تحديدا منذ عام 2006 عندما بدأ نجم ميسي بالبزوغ، يبقى السؤال لماذا لم يتوج هذا الجيل الأرجنتيني المميز بكأس العالم خاصة أن عناصره على المستوى الفردي مع الأندية حصد وا الكثير من البطولات وبالتالي لا شيئ ينقصهم أضف إليهم كما نعود ونكرر وجود ميسي والذي يعتبر واحدا من أفضل ممن لمسوا الجلد المدور منذ اختراع اللعبة حتى يومنا هذا.

والمتمعن في سطور الإخفاقات الأرجنتينية المتتالية، يمكنه تلخيص أسباب تلك الإخفاقات ووضعها تحت عناوين ثلاث رئيسية:

تخبط إداري واضح

تتخبط الكرة الأرجنتينية بالكثير من المشاكل وأهمها عدم وجود إتحاد قادر على إدارة الأمور الكروية في البلاد بشكل مثالي حيث لا توجد رؤية واضحة مع الكثير من التغييرات الدائمة في منصب الجهاز الفني للمنتخب ما يعكس بأن تقييم المدرب يكون بحسب النتائج وليس بحسب الأداء وماذا يقدمه المدرب لبناء المنتخب على أسس صحيحة. هذا جعل الأمور في المنتخب غير مستقرة أبدا فلا نهج كروي واضح للأرجنتين إذ كيف يمكن بناء منتخب وكل سنة أو سنتين على أقصى حد يتم تغيير المدرب ؟؟ وكيف سيتعود اللاعبون على الفكر الدفاعي او الهجومي للمدرب إذا ما كان كل مدرب يأتي يلعب بأسلوب لعب مختلف والكل يعرف بأن بناء المنتخب عادة ما يكون أصعب بكثير من بناء الفريق لان المنتخب يتجمع أياما محددة في السنة ولفترة قصيرة فإذا ما كان مدرب الفريق يحتاج لسنة من أجل إيصال أفكاره كلها إلى لاعبيه فإن مدرب المنتخب يحتاج لسنتين أو ثلاثة ربما كي يصل المنتخب معه إلى قمة مستواه، هذا الأمر لم يدركه ​الإتحاد الأرجنتيني​ فكان في كل إخفاق يقوم بتغيير المدرب ليدخل المنتخب بدوامة لا تكاد تنتهي.

غياب المدرب المناسب

إضافة إلى السبب الأول وهو كثرة تغيير المدربين، فما زاد الطين بلة هو عدم وجود المدرب العبقري في الأرجنتين القادر على قيادة منتخب التانغو بنجومه لتحقيق لقب عالمي. فمن ​خوسيه بيكرمان​، ​مارادونا​، باوزا، ​سامباولي​ وغيرهم لم يكن المنتخب الأرجنتيني يقدم كرة قدم مميزة خالية من الشوائب حتى في عام 2014 عندما وصل المنتخب إلى النهائي، لم ينجح سابيلا في التفوق على لوف مدرب ألمانيا تكتيكيا حيث بدا بأن لوف قد حضر فريقه بشكل أفضل كما قرأ مجريات المباراة آنذاك واستعمل التبديلات كما يجب.

وهنا لا ننكر بأن هناك بعض الهفوات الفردية للاعبي الأرجنتين في مكان معين لكن هذا لا يمنع من أن يتحمل المدرب المسؤولية في نهاية الأمر. ويجب الإعتراف بأن الأرجنتين والتي تعتبر ولادة النجوم، ليست كذلك على صعيد المدربين فالكل رأى تخبيصات سامباولي في هذا ​المونديال​ والتي تحتاج لأكثر من مقال من أجل شرحها بالتفصيل سواء على صعيد اللعب الجماعي الدفاعي أو في شخصيته كمدرب، حلوله الهجومية، اختيار اللاعبين وطريقة توظيفهم.

نفس الأمر حصل عام 2010 مع مارادونا وقبله عام 2006 مع بيكرمان حيث فرط بفوز كان بالمتناول أمام ألمانيا في الدور الربع النهائي، لنصل إلى محصلة واحدة، بأن المستوى الفني للاعبي الأرجنتين بفوق مستوى من دربهم وبالتالي لم نر أبدا منتخبا أرجنتينيا يقدم كرة قدم مفهومة فنيا وتكتيكيا.

تحميل ليونيل ميسي فوق طاقته

مل ميسي من المقارنة بينه وبين مارادونا وبأنه لن يدخل نادي الأساطير إلا إذا حمل كأس العالم وإن كان مارادونا أسطورة ( وهو بالفعل كذلك ) فقط لأنه حامل للقب العالمي، فهذا يعود بشكل أو بآخر إلى يده الشهيرة أمام ​إنكلترا​ وبالتالي المقارنة بالأصل ظالمة وميسي لا يحتاج إلى شهادة من أحد لاعتباره واحدا من أفضل لاعبي كرة القدم عبر التاريخ.

هذا خلق ضغطا كبيرا على ميسي، حتى أنه وصل إلى تحميله لكل شيئ يحصل مع منتخب بلاده، فإذا لم يستدع فلان فميسي وراء ذلك، وإذا أضاع علان كرة أمام المرمى فذلك لأن ميسي لم يتمن له الخير، أما إذا أخطأ المدافع في تشتيت الكرة فلميسي يد في ذلك حتى إن أخطأ الحارس ودخلت الكرة مرماه فربما ميسي هو من سددها... الأمور قد تبدو مضحكة لكنها بالفعل كذلك خاصة من بعض وسائل الإعلام الأرجنتينية حتى وصل الأمر إلى ميسي للإعتزال قبل فترة والرجوع عن ذلك، لأنه لم يعد يتحمل الضغط الغير مبرر فميسي وحده لن يجلب كأس العالم بل هو عنصر مساعد وفعال في ذلك ليس إلا، فعندما تكون هناك منظومة كروية واضحة الأسس ولميسي دور محدد وأساسي فيها، فهو لن يتخاذل أبدا في ذلك أما أن يكون منتخب الأرجنتين مفككا وتائها ثم يقال لميسي إذهب وحارب لوحدك فهو أمر لا يتعد الهرطقة لكنه للأسف ترك أثرا سلبيا على " الليو " الذي بدا واضحا الضغط الكبير عليه خاصة في هذا المونديال.

ليس المقال هذا تبرئة لساحة ميسي ولا للاعبي الأرجنتين الذين بالطبع يتحملون جزءا من المسؤولية، لكن تحميلهم إياها فقط واعتبار بأن منتخب الأرجنتين يضم لاعبين منتهي الصلاحية مع نجم إسمه ميسي يجيد فقط اللعب مع برشلونة فهو أمر فيه ظلم كبير، وعدم قول الحقيقة كما هي، فالأمر كله حلقة كروية مترابطة، لم ينجح مسؤولو الكرة الأرجنتينية في بناءها كما يجب فلا ينتظرن أحد بعد ذلك أي إنجاز لأن الكرة اليوم أصبحت صناعة وتخطيط وليست مجرد شعارات وقرارات ارتجالية.