شهد ​كأس العالم 2018​ والمقام في ​روسيا​ حاليا حدثا لم يمر أبدا مرور الكرام، ألا وهو سقوط ​منتخب ألمانيا​ بشكل مذل وخروجه من الدور الأول للكأس العالمية، بعدما كان هو البطل في النسخة السابقة عام 2014. وفي الوقت الذي كان الجميع يتحدث فيه عن سيطرة ألمانيا مطلقة على صعيد المنتخبات لسنين طويلة، كانت الإشارات السلبية عن الأداء الألماني تتوالى شيئا فشيئا لتصل إلى ذروتها خلال مباريات الدور الأول مع أداء ألماني باهت وخروج فاجأ الجميع وكان بمثابة الكارثة على كرة القدم الألمانية التي توقعت ربما كل شيئ إلا المغادرة من الدور الأول في مجموعة لم تصنف على أنها صعبة.

وإذا ما أردنا القراءة بين سطور الأداء الألماني الباهت والخروج المهين، نجد بأن هذا لم يكن وليد صدفة بل نتيجة أمور عدة حدثت وتراكمت فوق بعضها البعض لتنفجر الأمور على الأراضي الروسية ويبدأ الحديث عن ثورة كروية ألمانية جديدة مشابهة لتلك التي حصلت بعد الخروج من ربع نهائي كأس العالم 1998 والدور الأول ليورو 2000.

فلماذا وصلت الكرة الألمانية إلى هنا وما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟

التخطيط الخاطئ والتعالي على الخصوم

ذهب المنتخب الألماني لكأس القارات بتشكيلة شابة لم تضم اللاعبين الذين أحرزوا اللقب عام 2014 وذلك في استهانة واضحة للخصوم المشاركين في كأس القارات. ولسوء حظ ​المانشافت​ أحرز هذا المنتخب اللقب ليبدأ الجميع بالتهليل والقول بأن ألمانيا تمتلك أكثر من 30 لاعبا قادرين على تمثيل الفريق الأول.

لكن هذا الأمر كان نوعا ما بمثابة تعالي على الخصوم واستهانة بهم فكأس القارات بطولة رسمية تسبق كأس العالم بسنة والمفروض أن يشارك المنتخب الأول بها كي يبدأ التحضير المسبق للكأس العالمية وهو أمر لم يحصل أبدا. الملفت كان في أن التشكيلة الأساسية التي لعبت بكأس القارات لم تحضر أبدا في كأس العالم إلا في 4 أو 5 لاعبين في التشكيلة التي خاضت كأس العالم إن بشكل أساسي أو كلاعبين إحتياطيين ما يعني بأن اللاعبين الباقين كانوا من الحرس القديم ممن منحوا إجازة خلال البطولة وهذا ظهر في عدم تجانس المنتخب الألماني مع بعضه البعض وعدم وجود ترابط بين لاعبي الفريق مع غياب التفاهم على أرضية الملعب.

الغرور وغياب الروح القتالية عند اللاعبين

طبع الغرور أداء اللاعبين الألمان على أرض الملعب فأبطال العالم عام 2014 اعتقدوا بأنهم قد ختموا كرة القدم ولم يعلموا بأن كرة القدم تعطي من يعطيها وتذل من يستخف بها فرأينا اللاعبين الألمان يلعبون " على الواقف " إلا قليلا منهم، مع غياب للقتال على أرضية الملعب ويكفي مشاهدة مباراة ​كوريا​ الجنوبية الأخيرة لنرى كيف لعب الألمان في أول شوط وحتى في الشوط الثاني عندما كانوا بحاجة لهدف لم نر " اللهفة " من أجل التسجيل أو الركض الإضافي أو أي علامة تشير إلى أن الألمان يقاتلون وسيسجلون كما في طريقة تمريرهم للكرات وإنهائهم للفرص أمام المرمى مع غياب عامل الحسم والميل للإستعراض أكثر. هذا كان غريبا على الألمان الذين لم يعودونا على ذلك واعتقدوا بأن الطريق مفتوح والخصوم دائما بمستوى أقل منهم ليتلقوا صدمة كبيرة تمثلت بخروج مهين من البطولة.

عناد ​يواكيم لوف

لا يختلف اثنان على أن يواكيم لوف قام بنقلة نوعية في اداء المنتخب الألماني حيث أصبح لديه هوية واضحة كما أنه وصل معه لنهائي ​يورو 2008​، المركز الثالث في ​كأس العالم 2010​، نصف ​نهائي يورو 2012​، لقب ​كأس العالم 2014​، نصف نهائي ​يورو 2016​ ولقب ​كأس القارات 2017​ وبالتالي من غير المنطقي أن يمح خروج من الدور الأول لكأس العالم كل ما قام به لوف لكن الأخير وقبل أي طرف آخر مدعو لأن يكون صادقا في تقييم الفترة الماضية وتحديدا بعد يورو 2016 حيث كما ذكرنا قام مع المنتخب بكثير من " التخبيصات " الفنية سواء في استدعاء اللاعبين وأهمهم عدم استدعاء ساني صاحب الحلول الفردية والذي قدم أداءا مميزا برفقة ​السيتي​ هذا الموسم وصولا لعدم استيعاب بأن خضيرة و​أوزيل​ غير قادرين على تقديم المزيد مع المنتخب خاصة أوزيل المتراجع مستواه بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة دون نسيان استبعاد مثلا رأس الحربة ​فاغنر​ وتفضيل المخضرم ​غوميز​ عليه رغم أن فاغنر كان حاضرا بدنيا وفنيا أكثر بعد انتقاله إلى ​بايرن​ منتصف الموسم.

هذا ولم نذكر بعد الطريقة التي دخل بها مباراة كوريا حيث بدا بأنه مستخف بها من خلال تشكيلة غريبة وتوظيف اللاعبين في غير مراكزهم كغوريتزكا حيث اعتقد بأن المباراة محسومة ويمكن التجربة بها، ما يدل على أن لوف لم يكن قمة تركيزه التكتيكي قبل وخلال البطولة وهو أمر كان في السابق نقطة قوته إذا ما ميزه قبل مع ألمانيا كان دائما قدرته على تعديل المسار وتصحيح الأخطاء بشكل سريع، أمر لم يحصل في روسيا هذه المرة.

​​​​​​​

تعاطي الإعلام السلبي

يتفق كثيرون على أن الإعلام الألماني قاسي للغاية وغير منطقي في كثير من الأحيان كما أنه ينتقد لمجرد الإنتقاد فقليلون يعلمون بأن أحد أسباب عدم تجديد المدرب ​غوارديولا​ لعقده مع بايرن يعود للدور السلبي وكثرة الإنتقادات من الإعلام الألماني له.

وما زاد الطين بلة هو الأزمة التي أثارها الإعلام بعد لقاء لاعبي المنتخب من أصول تركية أوزيل وغوندوغان مع الرئيس التركي أردوغان في ظل توتر العلاقة نوعا ما بين ألمانيا و​تركيا​ كما في موضوع عدم ترديد أوزيل للنشيد الوطني، أمور لم تكن تحرز أن يكبرها الإعلام الألماني قبل أيام من كأس العالم وهو أمر أثر كثيرا على المنتخب وما تصريح كروس بعد الفوز على ​السويد​ بأن هناك في ألمانيا من كان سيفرح لو خرجت ألمانيا إلا دليل واضح على امتعاض المنتخب الألماني جهازا فنيا ولاعبين من طريقة تعاطي الإعلام الألماني معهم.