أصبحت التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية حيث دخلت إلى التفاصيل الصغيرة مما جعلنا لا نستغني عنها أبدا.

وفي كرة القدم، حاول القيمون عليها على مدى فترة طويلة إبقاءها بعيدا عن التكنولوجيا لكن الأمور تغيرت في السنين الأخيرة مع إقرار تقنية الفيديو والتي تهدف كعنوان عريض إلى الحد من الأخطاء التحكيمية.

البداية طبعا كانت على سبيل التجربة فتم اختبار هذه التقنية لأكثر من عامين في عدة بلدان كي يتم أخذ الخيار النهائي لتجربتها في البطولة الأهم وهي كأس العالم.

ومع تجربة ناجحة في كأس القارات وفي العديد من الدوريات الأوروبية الكبرى وبعض البطولات الأخرى، دخلت هذه التقنية عالم كرة القدم بشكل نهائي حيث أقرها ​الفيفا​ وأصبح هناك في قانون كرة القدم الصادر عن المجلس التشريعي " الإيفاب " قسم خاص بتقنية الفيديو مع دليل كامل لكيفية استعمالها.

ومثل أي أمر، برز مؤيدون ومعترضون لهذه التقنية لكننا في هذا التحقيق لن نتطرأ أبدا لهذا الشق، بل سنحاول ونحن على أبواب ​كأس العالم روسيا 2018​ حيث سيتم استخدام هذه التقنية وستكون العين عليها وعلى كيفية استخدامها واتخاذ القرارات فيها بجانب أبرز الأمور الإنضباطية التي تم إضافتها مؤخرا في قانون اللعبة من أجل وضع بروتوكول واضح المعالم لتقنية الفيديو.

والحق يقال بأن كأس العالم سيكون الفيصل في تحديد إذا ما كانت هذه التقنية ستكسب ثقة الجميع وتسكت أصوات الإنتقاد لها أم أنها ستكون محطة جديدة لانتقاد هذه التقنية وهذا رهن بالقرارات التي سيتخذها قضاة الملاعب في العرس الكروي المنتظر بدءا من منتصف شهر حزيران.

لمحة عامة عن تقنية الفيديو

تقنية الفيديو هي وسيلة مساعدة للحكم الرئيسي من أجل التأكد من صحة إتخاذ القرارات المصيرية في المباراة عبر منحه فرصة من أجل مراجعة القرارات تلك عبر لقطات مصورة ومن زوايا مختلفة. الهدف من هذه التقنية هو الوصول إلى قرارات تحكيمية صحيحة بنسبة تصل تقريبا لحوالي 100 % مع التشديد على عدم التدخل في روحية كرة القدم وتجنب إيقاف المباراة لوقت طويل من أجل إتخاذ أي قرار لما يمس ذلك من جوهر لعبة كرة القدم. العنوان الرئيسي لهذه التقنية بحسب الفيفا يمكن تلخيصه بهذه الجملة " أقل عدد من التدخلات مع أقصى قدرة من الإستفادة ".

من هم حكام الفيديو

ينقسم حكام الفيديو إلى قسمين، حكم فيديو المساعد لمساعدة الحكم الرئيسي وحكم فيديو مساعد آخر لمساعدة الحكام المساعدين.

وعرف ​الإتحاد الدولي​ حكم الفيديو الذي يساعد الحكم الرئيسي بمراجعة اللقطات المصيرية في المباراة أما حكم الفيديو المختص بالحكم المساعد فوظيفته تكمن في متابعة مجريات المباراة عبر الشاشة أمامه في حال كان حكم الفيديو يراجع لقطة ما كما أنه يكتب تقريرا عن أي عطل أو مشكلة قد يطرأ على نظام الفيديو خلال اللقاء كما أن وظيفته تكمن في مخاطبة الحكم الرئيسي في المباراة من أجل تنبيهه إلى استعمال الفيديو كأن يقول له " أوقف المباراة " أو " أخّر استئناف اللعب " كما أن إحدى مهماته تكون في تسجيل الوقت الضائع الناجم عن مراجعة لقطات الفيديو ومهمته الأخيرة هي شرح المعلومات المتعلقة بقرار الفيديو المتخذ إلى الجهات المختصة.

كيفية استعمالها

يجلس أربعة حكام في غرفة خاصة تسمى غرفة عمليات الفيديو ستكون في المركز الدولي للنقل التلفزيوني في العاصمة الروسية ​موسكو​ خلال كأس العالم.

سيكون أمام الحكام شاشات بعدة زوايا مختلفة، حكم ساحة يسمى حكم الفيديو و3 حكام مساعدين يسمون حكام الفيديو المساعدين المختص بحالات التسلل.

بالطبع يقوم حكم المباراة بأخذ مئات من القرارات التحكيمية في أي مباراة، منها وجود مخالفة أو عدم وجود مخالفة وبالتالي من غير المعقول مراجعة كل قرار وهذا يضر أيضا بصورة لعبة كرة القدم.

من هنا، يتدخل حكم الفيديو في القرارات التي تعتبر " خطأ واضح أو هام " بجانب " حالة هامة لم يتم الإنتباه لها ". ولتوضيح الأمور أكثر، حدد المجلس التشريعي " الإيفاب " أربع حالات يتدخل فيها حكم الفيديو وهي:

هدف / لا هدف

ركلة جزاء / لا ركلة جزاء

بطاقة حمراء مباشرة ( ليس البطاقة الصفراء الثانية )

تصحيح هوية اللاعب المخالف عندما ينذر الحكم أو يطرد لاعبا بالخطأ غير اللاعب الذي ارتكب المخالفة فعلا.

حكام مختصون لتقنية الفيديو في كأس العالم

تم اختيار 35 حكما رئيسيا و63 حكما مساعدا من نخبة حكام العالم للمشاركة في إدارة مباريات البطولة العالمية لكن الملفت كان اختيار 13 حكما مختصا فقط بتقنية الفيديو حيث لن يشارك هؤلاء في إدارة المباريات بل ستكون مهمتهم حصرا في تطبيق تقنية الفيديو وتقديم المشورة للحكم الرئيسي في كل مباراة.

​​​​​​​

وتم اختيار الحكام ال13 هؤلاء بعد سلسلة من الدورات والإختبارات التطبيقية لهذه التقنية كي يضمن الإتحاد الدولي أفضل تطبيق لها مع حكام مختصين ومدربين على كيفية استعمالها من أجل تفادي أي مشكلات قد تحصل أو تضارب في الآراء بين الحكام.

القرار الأخير لحكم الساحة

عندما يحدث حدث ما في الأمور المختصة بتقنية الفيديو، ويأخذ الحكم قرارا ما، يتم مراجعته بسرعة من قبل حكام الفيديو. فيقوم الحكم الرئيسي بالإستماع إلى ما يقوله له حكام الفيديو عبر الراديو اللاسلكية بينهم، فمجرد وضع الحكم ليده على السماعة فمعناه بأن اللقطة تتم مراجعتها فيأخذ برأي حكم الفيديو فورا في حال كان القرار واضحا أما إذا كان القرار دقيقا فيشير الحكم بيده على شكل شاشة ليذهب هو بنفسه إلى منطقة مراجعة اللقطات والتي يتم تحديد مكانها سلفا من قبل منظمي البطولة.

وبعد مشاهدة اللقطة من الحكم، يتخذ هو بنفسه القرار. وهنا يجب الإشارة إلى أمر ما، بأنه يجب مراجعة اللقطة قبل استئناف اللعب لأنه بعد الإستئناف لا يمكن للحكم أبدا تغيير القرار وهذا ما يستوجب على حكم الفيديو أن يكون واعيا وسريعا في تحديد اللقطات التي يجب فورا مراجعتها. وبالطبع، يمكن للحكم بنفسه ومن دون أن ينبهه حكم الفيديو إلى طلب مشاهدة اللقطة في حال كان لديه شك هو بالقرار الذي اتخذه.

لكن يجب التشديد على أنه يمكن في حالة وحيدة استخدام الفيديو بعد استئناف اللعب حصرا في الحالات التي يتم فيها إنذار أو طرد لاعب بالخطأ غير اللاعب المخالف، أي ما يندرج تحت بند " الخطأ في تحديد هوية اللاعب المخالف ".

منطقة مراجعة اللقطات

يجب أن تكون منطقة مراجعة لقطات الفيديو داخل حرم الملعب لكن خارج حدود ميدان اللعب وتكون واضحة للجميع مع شاشة يرى فيها الحكم اللقطات المنوي مراجعتها كما يمنع وضع أي شعارات إعلانية فيها كما يمنع منعا باتا لأي شخص غير الحكم دخولها. في حال دخول أي شخص إلى منطقة مراجعة اللقطات تتم عقوبته بحس صفته وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة أدناه.

عقوبات الإعتراض على قرارات تقنية الفيديو أو الدخول إلى غرفة الفيديو

في حال كانت غرفة الفيديو داخل حرم الملعب، أي لاعب يدخل إلى الغرفة يتم طرده أما الإداري فيتم إستبعاده من المنطقة الفنية.

أي لاعب، لاعب بديل أو لاعب مستبدل يدخل منطقة مراجعة اللقطات يتم إنذاره بالبطاقة الصفراء أما في حال دخول أحد الإداريين إلى منطقة مراجعة اللقطات فيتم توجيه إنذار رسمي له.

هذه العقوبات أضافها الفيفا في آخر تعديل له على قوانين اللعبة والذي صدر منذ حوالي شهر تقريبا والهدف منه هو ضمان الحيادية وعدم تأثير أي شخص أو تدخله لا من قريب أو من بعيد على القرارات التحكيمية وخاصة قرارات حكام الفيديو.

تحول تاريخي

لا يخفى على أحد بأن الحكام بشر وهم معرضون لارتكاب الأخطاء لكنه أيضا لا يختلف اثنان بأن الأخطاء التحكيمية وفي الكثير من البطولات خاصة كؤوس العالم لعبت دورا في تحديد هوية البطل أو إقصاء منتخب مرشح للفوز بالبطولة وهذا طبعا ليس مقصودا بل هو جزء من اللعبة التي هي لعبة أخطاء لكننا في كأس العالم 2018 وفي حال تم استخدام تقنية الفيديو كما هو مخطط لها فإننا وربما للمرة الأولى سنشهد تتويج بطل لن يكون قد استفاد من أي خطأ تحكيمي غير مقصود للوصول إلى اللقب كما لن نشهد مبدئيا خروج أي منتخب من البطولة بسبب الأخطاء التحكيمية والتي نعود ونكرر بأنها غير مقصودة وتقع ضمن طبيعة عمل الحكم وصفاته البشرية.

ليبقى السؤال في نهاية المطاف، هل سيبقى الحكم شماعة يرمي عليها الكثير من مدربي ولاعبي المنتخبات الخاسرة فشلهم أم أن هذه الشماعة ستتحول من الحكام إلى تقنية الفيديو.

الجواب لن يطول ويفصلنا عن معرفته أسابيع قليلة لكن كل ما هو مؤكد بأن عشاق كرة القدم يستمتعون باستعمال تقنية الفيديو في هذه الكأس العالمية.

​​​​​​​