تعتبر ​الفئات العمرية​ عصب كرة القدم، فلا تطور ولا استمرارية لأي منتخب أو فريق إلا إذا ما كانت قاعدته الناشئة تذخر باللاعبين المميزين الذين يمكنهم أن يشكلوا في المستقبل نواة الفريق الأول، ويتم تصنيفهم دائما على أنهم " أولاد النادي " بما أن النادي يكون قد اهتم بهم منذ بداية مسيرتهم الكروية وأوصلهم إلى قمة مستواهم، وهذا ما يفعله بشكل عام الآباء مع الأبناء في هذه الحياة.

وكما في كل بلدان العالم، كذلك في لبنان هناك فئات عمرية، إنما بالطبع لا تختلف تماما عن واقع الكرة اللبنانية التي تعاني العديد من المشاكل في ظل واقع البلد والظروف الصعبة التي يمر بها. في هذا التحقيق، لن نتحدث كثيرا عن واقع كرة القدم اللبنانية، فهو معروف لدى معظم القراء، لكننا سنحاول التعريف أكثر على معنى وجود الفئات العمرية في كرة القدم بلبنان، واقعها وما هي المراحل التي يمر بها أي لاعب منذ فئة البراعم تدرجا ووصولا للعب مع الفريق الأول، الذي يعد حلم كل ولد بدأ يركل الكرة منذ تعلمه السير.

دوريات الفئات العمرية

يوجد في لبنان وتحت إشراف وتنظيم الإتحاد اللبناني للعبة دوري للشباب وهو لعمر تحت 19 سنة، وآخر للناشئين لعمر تحت 17 سنة، كما يوجد دوري للأشبال لعمر تحت 14 سنة، كما تم استحداث دوري خاص للأكاديميات لعمر تحت 12 سنة وهو ما يُعرف بالبراعم. ويفرض الإتحاد على أندية الدرجة الأولى المشاركة في فئتين عمريتين على الأقل، وذلك من باب تشجيع الأندية على الإهتمام بفئاتها العمرية. وكان هناك في السابق فئة الآمال أي لتحت 21 عاما، حيث كانت بمثابة دوري رديف لكن تم إلغاء هذه الفئة منذ سنتين وإجبار كل فريق درجة أولى على ضم أكثر من لاعب شاب على كشوفاته المسجلة في ​الإتحاد اللبناني لكرة القدم​.

انتشار الأكاديميات

أول خطوة في الفئات العمرية عادة ما تكون الأكاديميات والتي انتشرت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، ولا شك بأن الهدف من الكثير منها تجاري بحت، لكننا ومن دون ذكر أسماء، نجد أكاديميات أخرى تقوم بعمل جدي ومميز لاكتشاف المواهب، خاصة أن الأكاديميات تبدأ باستقبال الأطفال بعمر حوالي 7 أو 8 سنوات وهذا ما يجعل الولد يعمل منذ بداية نشأته مع مدربين. هدف تلك الأكاديميات كما ذكرنا، يجب ان يكون إعداد الولد كرويا حتى يصل لعمر 11 أو 12 سنة، هنا تبدأ الفرق بمراقبة لاعبي الأكاديميات المميزين والهدف واضح: ضم اللاعبين الموهوبين إلى صفوفها من أجل تدعيم فرقها التي تشارك في الدوري العام. وأول محطة رسمية للأولاد تكون في دوري الأشبال أي تحت 14 سنة، والذي إن ألقينا نظرة على لاعبي الفرق المشاركة فيه، نجد بأن معظمهم من خريجي الأكاديميات أو بدأوا صفوفهم في الأكاديمية.

واللافت أن العديد من الأكاديميات أصبحت تقوم بمعسكرات خارجية أو تستقدم مدربين من الخارج للإشراف على اللاعبين ولو لفترة قصيرة، وهذا بالطبع يترك أثرا إيجابيا على اللاعبين الصغار. كما أنه هناك نقطة أخرى هامة وهي أن العديد من الأندية أصبح لديها أكاديمياتها الخاصة، وهي تضرب بذلك عصفورين بحجر واحد حيث تؤمّن مدخولا إضافيا لها، لكن الأهم يبقى جمع المواهب الشابة وتحضيرها من أجل التوقيع الرسمي على كشوفاتها والبدء بالمشاركة في البطولات الرسمية، حيث تكون قد تعرفت عليها عن قرب وزاد عنصر التجانس بين اللاعبين الصغار وجهازهم الفني.

وهنا لا بد من التوقف عند نقطة هامة، وهي أن هناك العديد من الأكاديميات التي تشارك في دوري سن 14 وما فوق تحت إسم الأندية، حيث يوجد الكثير من الأندية العريقة في لبنان لا تملك فريقا للفئات العمرية وبما أنها ملزمة من قبل الإتحاد كونها اندية درجة أولى بأن تشارك في فئتين عمريتين، تقوم اكاديمية باللعب بإسم النادي. فالصفاء على سبيل المثال لا الحصر، يشارك في الدوري بإسمه لكن بفريق مؤلف من أكاديمية ASA، وحاله مثل حال العديد من الفرق. ولا تجد الأكاديمية أي مشكلة في ذلك، فهي تعطي لاعبيها فرصة المشاركة في الدوري لا بل أنها حتى تنافس وتظهر بشكل مميز للغاية، لكن هذا الأمر وإن كان مفيدا للأكاديميات، لكنه غير جيد بالطبع لأندية كرة القدم التي يجب أن يكون لها فئاتها العمرية الخاصة بها في مختلف الأعمار، لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي يضمن لها الإستمرارية فيما بعد. فماذا يحصل عندما توقف الأكاديمية المشاركة في الدوري؟ او تنتقل من فريق إلى آخر؟ سيصبح النادي بلا أي فئات عمرية، وبالتالي يجب دائما من خلال النظرة الكروية المستقبلية، ان يكون ناشئو النادي من أولاده وليس من اولاد الأكاديمية.

تغيير نظام بطولات الفئات العمرية

يجب الإشارة إلى أن الإتحاد اللبناني لكرة القدم غيّر نظام البطولة هذه السنة، اذ كانت الفرق تقسم إلى مجموعتين في ​دوري الناشئين​ و​دوري الشباب​، حيث تلعب وفق نظام الذهاب والإياب ليتأهل بطل كل مجموعة ووصيفه للمربع الذهبي ويفوز الفريق الذي يجمع أكبر عدد من النقاط في المواجهات الثلاث. أما في دوري الأشبال، فكانت الفرق تلعب وفق نظام ذهاب وإياب يفوز بطله في النهاية باللقب. لكن كانت هناك مشكلة أساسية في المستوى الفني لهذه الدوريات حيث كان هناك في كل فئة بضعة فرق تنافس على الصدارة، فيما تشارك البقية من باب تأدية الواجب، وهو ما أوجد خللا في عملية المنافسة وانتهاء العديد من المباريات بنتائج كبيرة ما جعل الإتحاد يلجأ إلى تغيير نظام البطولة من باب إضفاء المزيد من التنافس والإثارة على هذه الدوريات، كي يستفيد اللاعب لأقصى حد من مشاركته. فأصبح النظام الفني لدوريات الفئات العمرية يقوم على تقسيم الفرق لمجموعتين أو مجموعة واحدة بحسب عدد الفرق، التي تلعب دورا واحدا ثم تتأهل أول ثلاثة فرق من كل مجموعة للعب دوري من مرحلتين ذهاب وإياب يفوز متصدره في النهاية باللقب. هذا الامر جعل الدوري في مرحلته الثانية قويا للغاية، وكل المباريات فيه متقاربة ما انعكس على مستوى اللاعبين وحتى المتابعة الجماهيرية له.

كيفية الوصول للدرجة الأولى

بعد التوقيع مع أحد الفرق، يخوض اللاعب دوري الأشبال، وفي حال برز في هذه الفئة يتم ترفيعه إلى دوري الناشئين، وهنا إذا كان مستواه مميزا يلعب بنفس الموسم دوريين، الاول في الناشئين والثاني في الشباب حيث يسمح القانون بذلك.

وبحسب أداء اللاعبين، يحاول المدرب التركيز على أصحاب المواهب وفي مراكز مختلفة، من أجل منحهم فرصة التدرب مع الفريق الأول، ومن بعدها بحسب أدائهم يتم إدخالهم في قائمة ال18 للمباريات الرسمية في دوري الدرجة الأولى، حيث يدخلون شيئا فشيئا ضمن أجوائها، ليبدأوا بالحصول على فرصهم عادة في آخر عشر دقائق أو ربع ساعة في المباريات التي يكون الفريق متقدما بها ومتجها للفوز، فتكون المشاركات الأولى بعيدة عن ضغوط المباريات. وبعدها بحسب ما يقدمه اللاعب في كل مشاركة، يبدأ تدريجيا في أخذ مركزه ضمن قائمة المباراة والحصول على دقائق لعب أكثر، وصولا لكي يكون ورقة رابحة أو لاعبا أساسيا في تشكيلة الفريق.

والواقع أن هناك العديد من الأسماء التي تعتبر في الفترة الأخيرة مثالا حيا على ذلك، ففي ​النجمة​ نجد علي الحاج، يوسف الحاج، خليل بدر، مهدي زين، حسين شرف الدين وغيرهم ممن لعبوا مع الفريق الأول، وهم كانوا يلعبون في الفئات العمرية. وفي ​الأنصار​ هناك موسى الطويل، مهدي مزنر، علي عبود، دانييل أبو فخر وأسماء عديدة، وفي ​العهد​ -الذي يعتبر الفريق الأنجح على صعيد توريد لاعبين من الفئات العمرية للفريق الأول – هناك حاليا ضمن قائمة الفريق مهدي فحص، حسين الزين، حسين منذر، علي حديد، خليل خميس، محمد قدوح وكل هؤلاء ساهموا منذ فترة ليست بالبعيدة في تتويج العهد بألقاب الفئات العمرية. وهنا، لا بد من الوقوف عند تجربة ​التضامن صور​ أيضا وشباب الساحل في فترة من الفترات و​الإصلاح برج الشمالي​، ​طرابلس​ وهي فرق تمتلك الآن في تشكيلاتها لاعبين سبق لهم ومروا ضمن فرق الفئات العمرية.

عمل المدرب

يعتبر المدرب حجر الأساس في أي لعبة وفي أي نجاح، إذ يكون بمثابة قائد السفينة والشخص الذي يخطط ويرسم الطريق للوصول بعيدا. لكن، هناك أمر لا يجيده الكثير من المدربين وهو كيفية تطوير اللاعب واستخلاص الأفضل منه. وفي ما خص الفئات العمرية، تعتبر هذه الميزة الأهم عند أي مدرب، فاللاعب الناشئ يحتاج بالطبع إلى رعاية، وإلى تعليمه مبادئ كرة القدم وهذا ما يفرض على مدرب الفئات العمرية أن يكون على مستوى عال كي يقدم المعرفة التكتيكية والفنية للاعب والتركيز على نقاط الضعف وتطويرها، بجانب شخصيته وسلوكه داخل وخارج الملعب. وكلما نجح المدرب في التعاطي مع اللاعبين الناشئين ومشاكلهم، كلما استطاع استخراج الأفضل منهم وتطويرهم وهذا سيعود بالفائدة طبعا على الفرق.

في الختام، تعتمد كرة القدم الحديثة اليوم على صناعة اللاعبين، فشراء اللاعبين ليس حلا وهو أمر مكلف خاصة في بلد مثلا لبنان، لذلك سيكون الحل دائما بالتركيز على الفئات العمرية لأنه لا مستقبل لكرة القدم من دون لاعبين ناشئين واعدين. وهنا يجب أن تتغير النظرة أكثر إذ يجب أن يكون هناك شجاعة في الزج باللاعبين الصغار ودعمهم في خطواتهم الأولى بعالم الدرجة الأولى، وبالفعل لا يخفى على أحد بأن السنوات القليلة الماضية قد شهدت نقلة نوعية في لبنان. وكل الأمل بأن يستمر العمل دائما بشكل أفضل من أجل الوصول إلى دوري درجة أولى، تضم فرقه لاعبين تدرجوا في فئاتها العمرية وأصبحوا ركيزة النادي الأساسية، لأنه من دون ذلك، لا يمكن أبدا أن نحلم بكرة قدم سليمة في لبنان، خاصة وسط اجماع على أن الموهبة موجودة، وكل ما هو مطلوب أن يتم صقلها وتنميتها ورعايتها كما يجب، وسنرى في قادم الأيام نجوما شباب قادرين بالفعل على الذهاب بعيدا، إن من ناحية الإحتراف في الخارج أو حتى في دعم المنتخب الوطني في إستحقاقاته الخارجية.