وضع النجم الإيطالي المخضرم أندريا بيرلو حدا لمسيرة كروية طويلة امتدت لأكثر من عشرين عاما في المستطيل الأخضر حقق في خلالها العديد من الألقاب سواء مع الفرق التي لعب لها أو مع المنتخب الإيطالي لعل أبرزها كأس العالم عام 2006 مع إيطاليا، دوري أبطال أوروبا مع الميلان 2003 و2007 إضافة للدوري الإيطالي أربع مرات، مرة مع ميلان وثلاث مرات مع يوفنتوس.

المهندس المعماري، أو الأستاذ كما يطلق عليه لم يكن مجرد لاعب كرة قدم عادي، بل لاعب وسط موهوب تميز بلمسته الرائعة على الكرة وبتمريراته المتقنة طويلة كانت أم قصيرة دون نسيان تنفيذ الركلات الحرة المباشرة بطريقة مميزة.

هذه الصفات جعلت منه مايسترو في خط وسط الملعب وهو أمر قليل ما يبرز به اللاعبون الإيطاليون الذين يعتمدون على القوة الجسدية والسرعة والرجولة في اللعب وقطع الكرات، لكن بيرلو كان لاعبا إيطاليا من نوع آخر فغيّر النظرة إلى لاعبي الوسط في بلده.

إيطالي هادئ ذو شعر طويل ورؤية ثاقبة للملعب، يلعب بعقله قبل أن يلعب بقدميه، ويفضل اللعب الجماعي ومساعدة زملاءه في تسجيل الأهداف أكثر من رغبته هو بتسجيلها وهو أمر نادرا ما تجده في لاعبي كرة القدم وهذا يمكن استنتاجه من خلال العدد الكبير للتمريرات الحاسمة التي قام بها النجم الإيطالي خلال مسيرته في الملاعب. هذا لم يكن ليتوفر لو لم يكن اللاعب الإيطالي يملك ذكاء خارقا وشخصية قوية حيث كان يعرف كيف يكون مؤثرا في الملعب بغض النظر عن أي مركز يلعب به في خط الوسط.

ويحسب لبيرلو أيضا مرونته التكتيكية وقدرته على اللعب في مركزي الإرتكاز وصناعة الألعاب بنفس الجودة وهو أمر أراح المدربين الذين تعاملوا مع بيرلو كمفتاح تكتيكي قادر على تصويب مسار خط الوسط في أي مباراة ولعب أكثر من دور وتغيير أسلوب اللعب وطريقة أداءه من دون تأثر عطاء بيرلو في أي من المركزين.

ما ميز بيرلو أيضا، هو نجاحه في اللعب بأعلى مستوى على الرغم من تقدمه في السن فعندما استغنى عنه ميلان بشكل مجاني عام 2011 بعد خلاف في وجهات النظر مع أليغري مدرب ميلان آنذاك، نجح بيرلو وهو في عمر 32 عاما من الإستمرار في إبداعه حيث قدم مواسم مميزة رفقة يوفنتوس والمنتخب الإيطالي فوصل لوصافة اليورو مع منتخب بلده، وسيطر محليا مع فريقه يوفنتوس بجانب تألق أوروبي أيضا في دوري الأبطال قبل أن يختار في عام 2015 الرحيل إلى الولايات المتحدة للعب في صفوف فريق نيويورك سيتي حيث اختتم مسيرته.

هدوء بيرلو داخل الملعب كان انعكاسا لشخصيته الهادئة خارج الملعب فلم يكن بيرلو الشخص الذي يعشق الحفلات الصاخبة وأجواء السهر أو الظهور المكثف على وسائل التواصل الإجتماعي بل كان يفضل البقاء مع عائلته أو الذهاب للتسوق والخروج في رحلاته مع أطفالهما كان عنصرا أساسيا في نجاحه كلاعب وحفاظه على مستواه العالي طوال فترة مسيرته وهذا ربما يعود لأن عائلة بيرلو تمتلك الكثير من المال وبالتالي كان اللاعب متعودا على وجود المال منذ الصغر في حياته وهذا جعل حياته مستقرة خاصة في بداية مسيرته حيث ركز فقط على كرة القدم وهو ما كان عنصرا أساسيا في رحلة تألق اللاعب.

لا شك بأن اعتزال بيرلو للعبة كرة القدم سيحرم محبي هذه اللعبة من لمسات المايسترو رغم عدم مشاهدته كثيرا في الفترة الاخيرة نظرا لانتقاله إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما ستبقى بصماته الكروية موجودة كما أن الكرة الإيطالية ستفتقد للاعب قل مثيله حاليا حيث لا يبدو أن هناك في الأفق خليفة لأندريا بيرلو في الجيل الإيطالي الحالي.

أحمد علاء الدين