لم تعد الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص لغة يتكلمها البسطاء وحكاية كرة مستديرة تحمل معها الفرح والحزن لمن يحمل عشقها ومتابعتها وقطع المسافات من أجلها، بعدما أضحت في الآونة الأخيرة لغة سياسية تحمل الكثير من المعاني والرسائل من هنا وهناك.

ولم تكن المطالبات باستقلال أقليم كاتالونيا هي وحدها من وصمت كرة القدم بتلك الصفة بعدما تحولت تلك الرغبة الى أزمة عالمية أخذت في طريقها أحد معالم المتعة في اللعبة الشعبية الأولى في العالم ونقصد فريق برشلونة وحولته إلى أداة تتقاذفها التصريحات المضادة والمتناقضة بين اللاعبين والمسؤولين لتصل صداها إلى خارج اسبانيا.

ومنذ صعود مشكلة أقليم كاتالونيا، دخل نادي برشلونة والمنتخب الإسباني في نفق السياسة بعد الحديث عن طرد البارشا من الدوري الإسباني والتهديد بإنسحاب عدد من اللاعبين من المنتخب في حال تمت خطوة الإستقلال، ليترافق الأمر مع خطوات تصعيدية بلغت مداها ووصلت إلى الجماهير عبر رفع شعارات مضادة في الملاعب.

وفي الوقت الذي كنا تنتظر فيه تصريحات اللاعبين بعد المباريات للحديث عن أخطاء فنية من هنا أو قرارات مدرب من هناك،بتنا نشاهد كلاماً سياسياً عبر المنابر مغلفاً بمعان كثيرة تحمل في طياتها رغبات بالثأر والانتقام، وأصبحنا نرى جمهورا يهتف بوجه لاعب لطالما حقق الانجازات لمنتخب بلاده، لا لشيء إنما استكمالاً لعملية ضخ المزيد من الاجندات السياسية في عالم كرة القدم.

صحيح ان السياسيين والزعماء استخدموا كأس العالم قديما من أجل إيصال رسائل إلى خصومهم، إلا أننا لم نشهد في يوم من الأيام على تهديد بإبعاد ناد من دوري بسبب هذا الأمر كما يحدث الآن في إسبانيا، وهو أمر قد يصبح حقيقة إذا تم إنفصال اقليم كاتالونيا عن الدولة.

وفي خضم كل تلك الأزمة وما حملته من مواجهات كلامية بين عدد من اللاعبين ومنهم سيرجيو راموس وجيرار بيكيه وسيسك فابريغاس، جاءت تصريحات مدرب الارسنال ارسين فينغر لتزيد الطين بلة، خاصة وأن الفرنسي الذي رحب بخروج برشلونة من الدوري الاسباني والانتقال إلى الدوري الإنكليزي، عاد وتراجع عن تصريحاته معتبراً ان الأولى ضم السلتيك والرينجرز الاسكتلنديين وهذا رأي يحمل في طياته أيضاً معان سياسية ويغمز من مطالبات دول المملكة المتحدة بالاستقلال.

لا يمكن بعد الآن فصل الرياضة عن السياسة، ففي وطننا العربي مثلاً يعتبر التأهل إلى كأس العالم أو أي تفوق رياضي بمثابة نجاح لسياسة هذا البلد أو ذاك خاصة وأن الجماهير لم تتوان يوماً عن رفع صور الرؤساء والزعماء في الملاعب العربية أو شعارات الانفصال في ملاعب العالم، وهذا بحد ذاته يؤشر إلى أن الرياضة باتت لغة السياسة وأهلها.

يبقى القول ان الفصل بين الرياضة والسياسة لم يعد ممكناً بعدما باتت لعبة الفقراء مرتعاً وساحة يتصرف فيها الكبار ويستخدمونها سلعة لمصالحهم ورغباتهم.