أصبح المال في عصرنا هذا أساس كل شيئ والعنصر الأساسي المتحكم في نجاح أي فكرة أو مشروع.

وبما أن كرة القدم هي نسخة مصغرة من هذا المجتمع العالمي الكبير، دخل المال إلى ملاعب المستطيل الأخضر بدون استئذان حتى أصبح الآمر الناهي فرفع فرقا إلى مصاف الأبطال وجرّد فرقا أخرى من ألقابها وأنزلها عن مكانتها وأصبح أي فريق يريد التألق يبحث عن مصدر مالي ضخم يمول مشاريعه ويساعده على شراء اللاعبين ولو بلغ سعرهم أرقاما لا تصدق وذلك كله تحت شعار أن كرة القدم أصبحت “ Business “ ولم تعد مقولة " لعبة كرة القدم لعبة الفقراء " إلا كلاما في الهواء وحبرا على ورق.

لكن لكل قاعدة شواذ، وقاعدة أن لا نجاح في أيامنا هذه إلا للفرق التي تملك أموالا لا تأكلها النيران لم تثبت صوابيتها مئة بالمئة، فإذا ما أردنا السير بين طرقات الدوريات الأوروبية الكبرى، نجد بأنه ما زال وفي كل دوري فرق تصارع باللحم الحي وتحقق إنجازات متتالية وتتفوق على فرق أخرى صرفت الكثير من الأموال وما زالت تصرف لكنها لم تحقق شيئا من أهدافها.

فمن منا لم يقرأ قصة ليستر سيتي في الموسم ما قبل الماضي في البريميير ليغ ؟ من منا لم يرى بأم العين ما سطره ليستر سيتي رفقة المدرب رانييري في البريمييرليغ حيث نجح بمجموعة من اللاعبين لا يبلغ ثمنها مجتمعة سعر نجم من الفرق الغنية في إنكلترا كقطبي مدينة السيتي أو تشيلسي ؟

من منا فاته أداء نيس المميز والذي أهله الموسم الماضي لاحتلال المركز الثالث في الدوري الفرنسي بفارق نقاط قليلة عن باريس سان جيرمان الوصيف، وذلك بمجموعة من اللاعبين لا يتجاوز سعرها كلها ثمن نجمي خط هجوم البي أس جي كافاني ودي ماريا ؟ وهل يمكن المرور مرور الكرام على تجربة هوفنهايم هذا الموسم في ألمانيا، فريق القرية الصغيرة رفقة أصغر مدرب في البوندسليغا وكيف استطاع الفريق رفقة لاعبين من الصف الثاني ولا تبلغ قيمتهم السوقية إلا بضعة ملايين قليلة من عملة اليورو حصد المركز الرابع واللعب في دوري الأبطال، متفوقا على فرق عريقة في ألمانيا كشالكه وليفركوزن ومونشنغلادباغ لا بل ونجح في هزيمة بايرن إيابا المدجج بالنجوم ؟

وكيف لا نعرج على فريق العاصمة الإسبانية مدريد أتلتيكو والذي نجح هذا الموسم في البقاء ضمن الثلاثة الكبار في إسبانيا إضافة في الوصول إلى المربع الذهبي لدوري أبطال أوروبا بعدما أبرم هذا الصيف صفقات لم تكن مبهرة كثيرا لكنها أثبتت فعاليتها وقدرتها على الإنسجام ضمن الخطة الجماعية لدييغو سيميوني ما انعكس بشكل إيجابي على نتائج الفريق وأداءه.

وإذا ما تابعنا السير نحو إيطاليا، نجد صاحب المركز الرابع أتالانتا، نعم أتالانتا والذي حقق مركزا أقل ما يقال عنه أنه رائع مع مجموعة من اللاعبين الغير معروفين كثيرا والذين أثبتوا عن قدرات فنية عالية ضمن إطار جماعي واضح المعالم رسمه المدرب المحنك غاسبيريني وذلك من دون أن يحتوي فريقه ولو على لاعب نجم واحد تفوق قيمته السوقية العشرين مليون يورو.

وربما يتساءل البعض كيف لهذه الفرق تلك وبأسماء متواضعة أقله من ناحية الأسعار التفوق على فرق لديها لاعبين قيمتهم السوقية تفوق المئتين مليون يورو. الجواب بسيط للغاية، المال وحده لا يصنع بطولات ! قد يأتي البعض ويقول بأن هذا الكلام غير دقيق، فتشيلسي نجح بأمواله وتبعه مانشستر سيتي، كذلك فعل البي أس جي في فرنسا ولايبزيغ في ألمانيا، اليوفي في إيطاليا والريال في إسبانيا.

نعم هذا صحيح لكن التخطيط السليم لهذه الفرق هو من جعلها تفوز وتحقق بطولات حيث التقى عنصر التخطيط مع عنصر المال فانعكس على أرض الملعب نتائج مميزة وبطولات.

لكن في حالات الفرق العادية، كان الإعتماد ليس على المال بل على مجموعة متجانسة من اللاعبين لا تضم نجما يعتمد عليه الفريق وعلى ترابط تكتيكي وقدرة على إيجاد توليفة جيدة من اللاعبين مع شخصية قوية أعطت الفريق القدرة على الإستمرارية طوال الموسم من أجل الثبات في النتائج.

هذه النتائج أعطت الفرق الأخرى والتي تعتبر نفسها متوسطة القوة ماديا، أعطتها أملا بأن يمكن مجاراة الفرق الكبيرة وبأن كرة القدم ما زالت تعتمد في المقام الأول على الشق الفني وبأن المال مهما بلغت قوته، لن يستطيع أبدا أن يلغي أساس اللعبة وهي التكتيك والروح القتالية إضافة إلى الأسلوب الجماعي ويجب هنا أن نشدد على موضوع الروح القتالية لأنه دائما ما نرى بأن مفتاح نجاح هذه الفرق هو القتال داخل الملعب على كل كرة واللعب لأجل الكنزة لأن العنصر المادي ليس الأول في الفريق بعكس النجوم الكبار الذين قد لا يهمهم بذل الغالي والنفيس في كل مباراة لأن مرتبهم عالي وهم لا يتأثرون بمباراة سيئة هنا أو هناك.

خلاصة القول بأنه مهما توسعت إمبراطورية المال في كوكب كرة القدم، سيبقى هناك بعض الفرق التي ربما لا تملك الإمكانات المالية، لكنها تعرف تماما من أين تؤكل الكتف وما النجاحات التي حققتها الكثير من الفرق في السنوات القليلة الأخيرة إلا خير دليل على ذلك وهو أمر سيستمر وسنبقى نشاهده كل سنة لتبقى نكهة كرة القدم كما هي وكما عهدناها سابقا بشعار اللعب الجمالي قبل المال والجماعية قبل الفردية.

" أحمد علاء الدين "