فاجأ بايرن ميونيخ الكثيرين من متابعي سوق الإنتقالات عندما أبرم صفقة اللاعب الكولومبي جايمس رودريغيز james من ريال مدريد وذلك على سبيل الإعارة لمدة موسمين مقابل عشرة ملايين يورو مع بند يتيح شراء اللاعب بعد سنتين. وعلى الرغم من أن مستقبل رودريغيز والريال كان سائرا نحو الإنفصال، لكن دخول البايرن في الصفقة هو ما كان الأمر المفاجئ والمفاجئ أكثر كان الطريقة التي حسم بها البايرن الصفقة. سعر رودريغيز كان أكثر من ستين مليون يورو وكانت معظم التقارير تشير إلى أن اليونايتد مستعد لدفع هذا المبلغ لكن البايرن دخل فجأة على الخط وخطف اللاعب من دون دفع أكثر من خمس هذا المبلغ ؟ كيف ولماذا ؟

المتابع لسياسة البايرن في سوق الإنتقالات، يدرك بأن البايرن ليس ذاك الفريق الذي يدفع مبالغ كبيرة في شراء النجوم مهما علا شأنهم وأكبر صفقة عقدها البايرن في تاريخه كانت هذا الموسم مع الفرنسي توليسو لاعب الوسط الشاب والذي لم تتجاوز قيمته الأربعين مليونا ولعل حديث أولي هونيس رئيس البايرن منذ فترة قصيرة بأن ناديه لن يسلك الطريق المجنونة في سوق الإنتقالات ويدفع مبلغا كبيرا كستين أو سبعين أو حتى مئة مليون يورو مهما بلغت قيمة اللاعب الفنية والإضافة التي يمكنه تقديمها للفريق.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا يقوم البايرن بمثل تلك الخطوات على الرغم من قوته المادية الكبيرة وقدرته على فعل ذلك حيث يصنف من أحد أقوى الفرق الإقتصادية أوروبيا ؟ وكيف استطاع تحديدا على مدى عشر سنوات ماضية من أن يكون رقما أوروبيا صعبا حاصدا للقب دوري أبطال أوروبا وحجرا اساس في معظم المربعات الذهبية للبطولة الأوروبية العريقة في ظل هيستيريا أسعار اللاعبين المرتفعة ؟

الجواب وبكل بساطة يتفرع إلى ثلاثة أقسام. الأمر الأول هو العادات والتقاليد فالفريق البافاري على الرغم من دخوله نادي أصحاب الميليارات لكنه لم يكن يوما ناديا مثل نوادي تشيلسي، مانشستر سيتي، ريال مدريد أو تلك النوادي التي يتحكم فيها شخص واحد أو مؤسسة واحدة تضخ الأموال مقابل النتائج. الأمور في بايرن عكس ذلك كليا، فالفريق أسس إمبراطوريته المادية من سياسته الإقتصادية الناجحة وهو وإن كان له بالطبع رئيس يدير العمل المؤسساتي داخل النادي، لكن القرار يؤخذ بالتشاور ولا رغبة لدى المجتمع الإداري البافاري في نزع الهوية التقليدية لبايرن والتي تعتمد على صناعة اللاعبين أو جلب اللاعبين بأسعار مقبولة ومن ثم تطويرها ووضعها على سكة النجومية.

أما الأمر الثاني فهو بأن إدارة البايرن الحالية هي من صانعي أمجاد الفريق في الماضي، فأولي هونيس وكارل هاينتس رومينيجه وغيرهم من مسؤولي البايرن ليسوا عابرين سبيل بالنسبة لبايرن أو أشخاص يريدون فقط تلميع أسماءهم والقول بان الفريق قد حقق ألقابا في فترة توليهم للمسوؤولية. الأمر يتعدى هذا بكثير، فهؤلاء النجوم يعتبرون أنفسهم جزءا من حاضر ومستقبل النادي كما كانوا في الماضي جزءا من نجاحاته وحققوا الكثير من الالقاب له ما يجعل وجودهم على رأس المسؤولية في النادي البافاري لا يرتبط فقط بسعي للربح المادي أو للتعاقد مع نجم يجلب كأسا أو يبيع الكثير من القمصان أو يكون علامة تجارية للفريق، بل الموضوع أكبر من ذلك بكثير والهدف الأكبر هو ضمان الإستمرارية في النجاح والظهور دائما في مستوى عالي مع أداء كروي جميل التي جعلت من بايرن رقما صعبا بين كبار أوروبا، هذا لا ينفي بالطبع أهمية تحقيق الألقاب وهو ما يحصل بالفعل مع بايرن سواء محليا أو أوروبيا وحتى عالميا.

أما الأمر الثالث فهو ضم البايرن لصفوة لاعبي المنتخب الألماني ما يعني أن بايرن يضم بالأصل نجوما من الصف الأول وبأسعار ليست جنونية كون البعض قد تربى في أكاديمية البايرن والبعض انتقل إلى بايرن بصفقات انتقال داخلية بدون مبالغ عالية. هذا يدفع بايرن إلى عدم انتداب نجوم كبار آخرين كون الفريق بالأصل يضم نجوما والحاجة تكون فقط للاعبين يدخلون فقط ضمن المنظومة وليس للاعبين يكونوا هم حجر الزاوية في تشكيلة الفريق وهذا يضمن إلى حد كبير بقاء البايرن ضمن أندية القمة لأن أساس الفريق قوي والحاجة تكون دائما لتدعيم الفريق ببعض اللاعبين وليس لبناءه من الأصل في كافة المراكز ودفع أموال طائلة على أكثر من لاعب نجم في أكثر من مركز.

لم تكن صفقة رودريغيز الأولى ولن تكون الأخيرة التي عكست ذكاء إدارة البايرن في سوق الإنتقالات وقدرتها على تحقيق ما تريد بالشكل الذي تريد لتعكس إحترافيتها وقدرتها على التفاوض بدهاء وهذا بالطبع كان السبب الأساس في تألق بايرن في السنوات الأخيرة وعودته بقوة إلى الخريطة الكروية العالمية، وهو يبشر بمزيد من الإستمرارية في التألق والمنافسة على الالقاب، كل الالقاب وأولها دوري أبطال أوروبا.

" أحمد علاء الدين "