بالدّموع، ودّع فرانشيسكو توتي جماهير فريقه الأوحد يوم الأحد، بعد مسيرة حافلة قضاها مع ذئاب العاصمة الإيطالية نادي روما دامت لربع قرنٍ من الزمن، أنهى ملك روما أجمل قصّة حب ووفاء في عالم كرة القدم، 25 عاماً من العطاء والإخلاص لقميص واحد، رفض خلالها الرحيل إلى أي فريق آخر، رفض المال والبطولات من أجل جماهيره التي أذرفت الدموع في ملعب الأولمبيكو موعدةً قائدها الأزلي للمرة الأخيرة، في مشهد درامي حزين أثار مشاعر كل المتابعين حول العالم .

بدأت قصة فرانشي مع روما، كما يحلو للبعض تسميته، في عام 1993، وتحديداً في الثامن والعشرين من شهر آذار، عندما شارك في الدقيقة 88 أمام فريق بريشيا وهو في سن الـ16 من عمره، ليفرض نفسه كإسم كبير في تشكيلة روما، فارضاً إحترامه على الجميع بالموهبة التي تميز بها منذ صغره، ليصبح بعدها أحد أساطير هذا النادي وأكثرهم قرباً إلى قلوب جماهيره.

شارك فرانشيسكو توتي مع روما خلال مسيرته الكروية في 787 مباراة، مسجلاً 307 أهداف في جميع المسابقات، وهو بالتأكيد الهداف الأول في تاريخ النادي، صانعاً 197 هدفاً، حيث أطلق عليه البعض صفة ملك الأسيست، نظراً للقدرة الخارقة التي تمتع بها في صنع الأهداف للمهاجمين، حتى بعد وصوله إلى سن 40، لم يفقد فرانشيسكو توتي حسّه الخاص في التهديف وصناعة الأهداف للزملاء .

ما هو الفراغ الذي سيتركه خلفه فرانشيسكو توتي :

لا شكّ أن غياب فرانشيسكو توتي عن روما في المواسم القادمة سيترك أثراً كبيراً في قلوب عشاقه، على الصعيد العاطفي الأمور لن تكون بتلك السهولة بالنسبة للجماهير، التي تعودت على رؤية قائدها على مدار 25 عاماً، لكن بوجود دانييلي دي روسي، إبن النادي، والذي يشبه توتي بوفائه وإخلاصه للفريق بعد رفضه العديد من العروض والإغراءات خلال مسيرته، قد يساعد نجم منتخب إيطاليا على سد شيءٍ بسيطٍ من الفراغ الذي سيخلفه رحيل "الري دي روما ".

فنياً، قيمة فرانشيسكو توتي الفنية في روما تؤكدها أرقامه، لاعب إستطاع فرض إسمه في السجلات التاريخية للنادي، ليس في روما فقط، بل على صعيد تاريخ الكرة الإيطالية، حتى عندما أصبح توتي في سن متقدمٍ من عمره، كان له الكلمة الفصل في العديد من المباريات، وهو أحد أعمدة نجاح المدرب رودي غارسيا مع ذئاب العاصمة، عندما كان توتي في سن الـ38 من عمره.

لا شكّ ان روما ستفتقد الكثير من رونقها بغياب توتي، لأنه صعب جداً الإتيان بلاعب يتمتع بخصائصه، هذا على الصعيد الفني، أما على الصعيد الإداري، كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن محاولات حثيثة يقوم بها رئيس النادي جيمس بالوتا لإقناع توتي في تولي منصب إداري، أيضاً المدير الرياضي الإسباني الجديد "مونتشي" أكد في العديد من المناسبات أنه يريد وبشدة أن يعمل إلى جانب الملك لكسب المزيد من خبراته في هذا المجال، كونه يعرف بيئة روما وخبايا الفريق، إلا أن رغبة توتي في مواصة اللعب قد تقف عائقاً أمام طموحات الرئيس الأميركي والمدير الرياضي السابق لإشبيلية، لكن من دون شك، بقاء توتي داخل النادي وتوليه منصباً إدارياً، سيأتي بالمنفعة على الفريق في خططه للمستقبل، خصوصاً فيما يتعلق بشراء اللاعبين وتصعيد لاعبين شباب للفريق الأول، مع الإشارة إلى أن توتي يهتم بمتابعة فريق الناشئين الذي يقوده إبنه كريستيان .

أبرز إنجازات فرانشيسكو توتي:

- إستطاع توتي خلال مسيرته من الفوز بلقب الدوري الإيطالي مرّة واحدة، وذلك في موسم 2000-2001، مع المدرب فابيو كابيلو، لكنه حقق بعدها 9 مرات مركز الوصافة .

- حقّق "الري" دي روما بطولة العالم مع المنتخب الإيطالي في العام 2006، ووصيف بطل أوروبا في يورو العام 2000، حيث إختير وقتها أفضل لاعب في المباراة النهائية، وضمن التشكيلة المثالية للبطولة.

- سجّل توتي في الدوري الإيطالي مع روما 250 هدفاً، وهو ثاني هدافي الكالتشيو عبر التاريخ .

- سجّل توتي ثاني أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الدوري الإيطالي بعد باولو مالديني أسطورة ميلان، لكنه رقمه هذا معرض لأن يحطم في حال لعب جيانلويجي بوفون الموسم المقبل مع نادي يوفنتوس، وهو الأمر المتوقع حصوله، ليصبح بذلك توتي في المركز الثالث كأكثر لاعب مشاركةً في الدوري الإيطالي .

- حقّق لقب هداف الدوري الإيطالي في موسم 2006-2007 برصيد 26 هدفاً، ليحصل على الحذاء الذهبي كأفضل هداف في جميع الدوريات الأوروبية .

- يُعتبر توتي أكبر لاعب سجّل في تاريخ دوري أبطال أوروبا، وحصل ذلك خلال موسم 2014-2015، عندما كان في الـ39 من عمره، بعد هدفه في مرمى نادي مانشستر سيتي الإنكليزي .

- يُعتبر توتي أيضاً أكبر لاعب في تاريخ الدوري الأوروبي يصنع هدفا، وحصل ذلك في سن الـ40 .

- حاز على جائزة القدم الذهبية عام 2010 .

- فاز توتي ببطولة كأس إيطاليا مع روما مرتين، وكأس السوبر الإيطالي مرّة واحدة .

- توتي هو أصغر لاعب إيطالي في تاريخ الأندية الإيطالية يحصل على شارة القيادة لفريقه، وهو في سن الـ22 .

- أكثر لاعب سجل بقميص فريقٍ واحدٍ في تاريخ الدوري الإيطالي .

- أكثر لاعب سجل ركلات جزاء في تاريخ الدوري الإيطالي ( 74 ركلة جزاء ) وإشتهر بطريقة "الكوكيايو" في تسديد ركلات الجزاء أي طريقة "الملعقة " .

- هداف ديربي العاصمة الإيطالية ( روما – لاتسيو ) برصيد 11 هدفاً.

- أكثر لاعب سجل في مرمى أسطورة حراسة المرمى الإيطالية " جيانلويجي بوفون ".

- أكثر لاعب في الدوري الإيطالي حقق هدفين في مباراة واحدة في تاريخ الدوري الإيطالي .

ماذا قالوا عن فرانشيسكو توتي :

الأسطورة الإيطالية باولو روسي: توتي ورونالدو البرازيلي هما أفضل لاعبَين مرّا خلال جيلي، وتوتي هو أفضل لاعب إيطالي برأيي آخر عشرين سنة .

المدرب الإيطالي السابق لروما كلاوديو رانييري :" دربت فرانك لامبارد وأليساندرو ديل بييرو، لكّن توتي أقوى من الجميع".

الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا :" توتي أفضل لاعب شاهدته خلال حياتي، إنه يملك 4 عيون في الملعب ".

المدرب التشيكي زدينيك زيمان :" أفضل خمسة لاعبين في تاريخ إيطاليا هم توتي، توتي، توتي، توتي ثم توتي، إنه يستطيع اللعب حتّى سن الـ50 ".

الأسطورة البرازيلية بيليه :" من وجهة نظري هو من أفضل لاعبي كرة قدم الذين مروا في التاريخ ".

النجم البرازيلي السابق روبيرتو كارلوس :" توتي أفضل لاعب شاهدته في الدوري الإيطالي ".

نجم ميلان السابق جياني ريفيرا:" توتي أفضل من ديل بييرو وأفضل من روبيرتو باجيو، توتي أفضل مني أيضاً !" .

النجم الفرنسي السابق ميشيل بلاتيني :" توتي أيقونة في عالم كرة القدم، إنه مثال للاعب رقم 10 ".

أسطورة حراسة المرمى جيانلويجي بوفون :" أنا واحد من ضحايا فرانشيسكو توتي، لقد سجل العديد من الأهداف في مرماي كالتحف الفنية التي تعجز عن صدها ".

النجم البرتغالي لويس فيغو :" أنا آسف لأني فزت بالكرة الذهبية وتوتي لا، لقد سلبتها منه، كان يستحقها أكثر مني ".

كيف تحوّل فرانشيسكو توتي إلى "ظاهرة كروية " .

عندما وصل فرانشيسكو توتي إلى سن الـ34 من عمره، وتحديدا موسم 2010-2011، ظنّ العديد من المتابعين أن ملك روما لم يعد قادرا على العطاء كالسابق، وأن دوره مع فريقه قد إنتهى خصوصا مع بداية شهدت تراجعاً كبيراً في أدائه، لكن، وخلال الموسم نفسه، كان فرانشيسكو توتي على موعدٍ مع إنطلاقة جديدة غير متوقعة عندما عُين فييتشيزو مونتيلا مديراً فنياً للجيالورسو خلفاً للمقال كلاوديو رانييري، وفي المباراة الثانية لمونتيلا مع روما، بالتحديد أمام لاتسيو، سجل توتي ثنائية ليقود من خلالها فريقه إلى تربع عرش الزعامة في العاصمة، حيث عمد المدرب الإيطالي الشاب على توظيف الملك كرأس حربة وهمي، وبالفعل، لم تتوقف ماكينة توتي عن التهديف، موقعا "الري دي روما" "دوبييتا" أخرى في مرمى كلّ من فيورنتينا، باري، وأودينيزي، لكن للأسف، أهدافه تلك إضافة إلى 9 كان قد سجلها خلال الموسم، لم تكن كافية لوصول روما إلى بطولة دوري أبطال أوروبا عبر المركز الرابع الذي إحتله أودينيزي آن ذاك .

وفي موسم 2011-2012، تم تعيين الإسباني لويس إنريكي مدرباً للفريق، لم يكن فرانشيسكو توتي بأفضل حالاته مع المدرب الإسباني وقتها حيث عانى من وزنٍ زائدٍ، الفريق ككل عاش مرحلة من عدم الإستقرار الفني، ورغم ذلك، كان إنريكي يعتمد على حلول توتي الفنية وخبرته على أرض الملعب، مسجلاً ثمانية أهداف خلال 25 مشاركة، هو رقم قد يبدو للبعض سيئاً، لكن روما مع إنريكي حلّ سابعاً ، ولم يتأهل إلى أي بطولة أوروبية، ناهيك عن خروجه من الدور ربع النهائي لبطولة كأس إيطاليا، وإقصائه من الدور التمهيدي في بطولة الدوري الأوروبي. فرانشي، وصل إلى سن الـ36 من عمره في موسم 2012-2013، عندما تم تعيين التشيكي المحنّك زدينيك زيمان مدربا لذئاب العاصمة، وبالمناسبة هو أحد عشاق فرانشيسكو توتي حتى يومنا هذا. وكان للمدرب التشيكي الفضل الكبير في تحسين مستوى توتي، حيث عمد على تنظيم حصص تدريبية قاسية للكابيتانو، ساعدته على خسارة رقم كبير من وزنه وتغيير ملحوظ في بنيته الجسدية، وبالفعل، قدم توتي واحدا من أفضل مواسمه بالنظر إلى المستوى الذي قدمه على أرض الملعب، فلعب في عدّة مراكز، جناح أيسر، رأس حربة، ولاعب خط وسط مهاجم خلف رأس الحربة، مشاركاً في 34 مباراة وهو في سن الـ36 ! بالطبع هذا الرقم ليس سهلاً أبدا على لاعب في عمره .

مع رودي غارسيا، المدير الفني الفرنسي الذي قاد الجيالورسو لموسمين ونصف الموسم، كان فرانشيسكو توتي كلمة السر في خطط المدرب الحالي لمارسيليا، معتمداً على الكابيتانو كرأس حربة وهمي حر في تحركاته، وهو في سن ال39، وظيفة توتي كانت تزويد المهاجمين على الأجنحة بالكرات البينية، وكان السبب الرئيسي في تألق لاعبين كالإيفواري جيرفينيو والصربي آدم ليايتش، وغياب توتي عن تشكيلة غارسيا كان يخلق العديد من المشاكل للمدرب، بالنظرلإعتماده على خطة الـ4-3-3 والتي كان الملك واحدا من أعمدة نجاحها.

تعلق جماهير روما بتوتي قد إزداد أضعافاً خلال الفترات التي ذكرتها، الفترات التي تحوّل فيها فرانشيسكو إلى ظاهرة كروية في عمره، بالنظر إلى الأدوار التي لعبها مع عدّة مدربين يختلفون بالأفكار الفنية ومنظومة اللعب، فرانشيسكو الذي ثابر على نفسه كرياضي محترف متحدياً كبر سنه، متسلحاً بحبه وشغفه لهذه اللعبة، وعشقه للقميص الذي يرتديه، إستطاع "الري" الإثبات للجميع أنه ظاهرة فريدة بالخصائص التي يتمتع بها ورؤيته الخارقة، حيث شبهه مارادونا بصاحب الأربع عيون، والموسم الماضي كان كفيلاً في تأكيد قيمة توتي حتى لو أصبح في الأربعين من عمره عندما قال كلمته في عدّة مباريات حاسمة، أشهرها أمام تورينو .

فخر جماهير روما بتوتي كلاعب كبير وظاهرة هو الأهم بالنسبة إليهم، أهم من إعتباره مميزا بوفائه وإخلاصه لناديه، الفراغ الذي سيتركه الكابيتانو سيكون كبير جداً وهو خسارة ليس فقط لروما وللكرة الإيطالية، هو خسارة لكل عاشق لكرة القدم ...

" محمد بزّي " .