عُشق كرة القدم لا عمر له، ومن يقول ان التقدم في السن هو عائق امام ممارسة هذه الرياضة، فهو لم يتعرف بعد الى صالح شاهين، الرجل الذي ذاق اطياب ممارسة كرة القدم، ودخلت في دمه، فأدمنها وتعلق بها ولم تفصله عنها هموم الحياة وصعوبة الظروف وتراجع الصحة واللياقة البدنية، وحتى الوضع الامني والعسكري.

ثلاث وثمانون سنة زيّنت عمر شاهين (من مواليد 2 حزيران 1934)، وهو بدوره يزيّن كورنيش المنارة وشوارع بيروت وقصقص بتحركاته نحو الملعب المصغر (ميني فوبول) حيث يمارس تمارينه اليومية، فيما تضفي روحه المرحة لمسة من الفرح والسعادة على المشاهدين الذين يتحلقون لمشاهدته، علّهم يتعلمون منه حبّ الكرة، والاهم الروح الرياضية التي تعتبر الركيزة الاساسية.

تكاد لا تفرّق صالح شاهين عن حراس المرمى المحترفين، فهو يرتدي حلّته الرياضية كاملة ولا ينسى القفازين، ويدهشك بتحركاته في الملعب وكيفية سيطرته على التسديدات وسيطرته على الكرة المتجهة نحو مرماه، ولا يتورّع عن القفز من اجل منع الكرة من هزّ شباكه!

يستغرب المشاهدون استمرار نشاطه رغم تقدمه بالسن، وقليل منهم يدرك كم زرع في ملاعب كرة القدم جهداً وعرقاً وارتدى قميص اعرق الاندية اللبنانية فانطلق مع فريق الامن العام الذي لعب له في حراسة المرمى اربع سنوات، ثم مع النجمة أيام كمال شاتيلا وعبد الرحمن مغربل عام 1956، ومع النهضة ايام الراحل فخري علامة.

يتجه شاهين من دون ان يقصد الى أولاد هذا الحي وذاك الشارع، ليرشدهم الى مبادىء كرة القدم وكيفية مداعبة تلك المستديرة بعشق ولهفة . ولا يختلف عن كثير من ابناء جيله، الذين تُركوا لغدرات الزمن ولم يلتفت اليهم أحد في ايامهم هذه. وعلى غرار كل من تقدم به العمر، تعرض شاهين لبعض الازمات الصحية، فخضع لعملية جراحية لإزالة المياه الزرقاء من احدى عينيه، والتي منعته من ممارسة هوايته المفضلة، ولم يطلب المعونة من احد، لان كبرياءه يمنعه من ذلك. روحه المرحة دفعته للحديث عن احدى الامور الجميلة التي صادفته حين كان في الملاعب، ويقول انه "بعد الثورة عام 1958 انتقلت الى فريق الشرق، وكنا حينها امام مباراة ضد الانصار الذي كان في صفوفه نجمه عدنان الشرقي، فطلب مني رئيس النادي فرنسيس اسحاق مراقبته فنجحت بايقافه تماما فترك الملعب وذهب الى المدرجات فلحقت به لأسلم عليه فقال لي "شو باك لاحقني لهون في مشهد لن أنساه".

احترف صالح شاهين في الكويت وقطر وتألق لكنه لم يصبر على الغربة فعاد الى الوطن ويقول عن ذلك: "نحن أبناء البرج والغبيري والشيا مثل السمك الذي لا يمكن ان يعيش خارج الماء، وانا لا يمكن ان اعيش بعيداً عن الشياح، فهي حياتي وقد ترعرعت في شوارعها وتعلمت فيها كرة القدم ولعبت في الدورات الشعبية فكانت اياماً جميلة لا يمكن ان تنسى."

لا يتابع صالح كرة القدم هذه الأيام كثيراً، وهو حزين على الجيل الحالي ويقولها بحسرة: "جيل هذه الايام لاحق الارغيلة، ونحن كنا نلحق الفوتبول وهنا الفارق بين جيل اليوم والامس. نحن عشقنا كرة القدم وهم عشقهم للدخان عدو الرياضة الاول". عالميا،ً يشجع صالح شاهين منتخب المانيا في المونديال، لكنه لا يفضل فريقاً على آخر على صعيد الاندية، معتبراً ان كرة القدم يجب ان تكون للمتعة وليس للمشاكل والحزازيات.

وختم الرياضي الثمانيني مفتخراً بأنه لا يزال رياضياً فيما كل ابناء جيله تركوا الرياضة منذ عقود، وهو لم يكن فقط لاعب كرة قدم بل بطلا في الملاكمة وقد حل ثانياً في احدى البطولات على صعيد بطولات لبنان ويؤكد انه سيستمر في ممارسة الرياضة ولعب كرة القدم حتى آخر يوم في حياته.

تترك صالح شاهين في ملعب كرة القدم، ومعك حقيبة مليئة بالامل والتقدير. الامل بأن العلاقة مع كرة القدم لن تتوقف لمن يعشقها ويحبها مهما طال الزمن، والتقدير للروح التي يمتاز بها شاهين وامثاله وهي الروح المطلوبة من اجل الارتقاء بهذه الرياضة في لبنان والعالم الى مكانها ومكانتها الحقيقية بعيداً عن التجارة والمصالح الشخصية، فتعود كرة القدم الى بدايتها مع ما تحمله من شغف وتواضع واصرار على التميّز والابداع.