مر على لبنان الكثير من المدربين الأجانب من جنسيات مختفة ومدارس متعددة في معظم الألعاب الرياضية خاصة تلك الجماعية منها حيث نجح البعض منهم محققا إنجازات ما زالت محفورة في ذاكرة الرياضة اللبنانية ومنهم من حقق نتائج جيدة لم تصل لحد التألق فيما ظهر قسم منهم بمستوى فني متذبذب مع إمكانات متواضعة. الأمر نفسه حصل مع المدربين اللبنانيين الذين تألق البعض منهم محققا إنجازات كبيرة فيما البعض الآخر ما زال يحاول البحث عن ذاته.

ودائما ما يكون السؤال الأبرز والذي يطرح دائما، من الأفضل ؟ المدرب المحلي أم المدرب الأجنبي ؟ وبماذا يختلف الاسلوب التدريبي في لبنان عن غيره في الخارج ؟ مع من يرتاح اللاعب اللبناني وما الفارق بين المدرب الاجنبي والمدرب المحلي ؟

أحببنا في هذا التحقيق أن نجيب عن هذه الأسئلة من وجهة نظر اللاعبين فقط وليس المدربين أو الإداريين. اللاعبون الذين يكونون دائما على مقربة من المدرب فيعيشون معه في التمارين ويحاولون عكس أفكاره على أرض الملعب، من هنا توجهنا إلى بعض اللاعبين الذين عاصروا الكثير من المدربين الأجانب والمحليين وكان لهم تجارب احترافية في الخارج كي نستطلع آرائهم فيما خص هذا الموضوع.

يوسف محمد

هو قائد منتخب لبنان سابقا وأول قائد عربي في البوندسليغا، له صولات وجولات في عالم كرة القدم الإحترافية حيث لعب تحت أمرة العديد من المدربين المحليين والأجانب، الحديث هنا عن يوسف محمد الذي التقيناه وأجرينا معه حديثا شيقا.

بدأ محمد حديثه بالقول إن الفارق الأهم بين التدريب في لبنان والتدريب في الخارج هو التنظيم فهنا كرة القدم لعبة هاوية لا تعلم متى سيكون التمرين وفي أي ساعة بينما في الخارج كل شيء بوقته، التمرين وقته معروف مسبقا وهذا يعطيك راحة نفسية دون أن ننسى أن نوعية التمارين داخل الملعب مختلفة كليا ولا يمكن حتى المقارنة بينها وبين التمرين في لبنان.

التدريب بحسب محمد أصبح اختصاص في الجامعة وليس مجرد شهادات A/B/C مع كافة احترامي لحاملي هذه الشهادات الأسيوية وأريد أن اقول هنا أن الحصول على رخصة تدريب في ألمانيا وأوروبا بشكل عام مختلفة كثيرا عن تلك في آسيا لأن المدرسة الاوروبية لها خصائص غير الأسيوية ومتطورة أكثر.

ويرى محمد أن الدراسة أهم من الخبرة والتجربة كلاعب إذا ما أراد المدرب العمل وهذا للأسف موجود في لبنان فليس شرطا أن بكون أي لاعب ناجح مدربا ناجحا، دراسة التدريب هي من تحدد مستوى النجاح إضافة للرغبة الدائمة في تطوير النفس.

كما أن بلد المدرب الأجنبي الذي يأتي إلى لبنان يؤثر فمثلا المدرب من فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا... تلك الدول الكبرى كرويا يختلف مدربوها مثلا عن دول أوروبا الشرقية فهم من مدارس كروية مختلفة وهذا ايضا يؤثر على الفكر التدريبي للمدرب ومدى قدرته على النجاح في أي تجربة خارجية خاصة في بلدان هاوية مثل لبنان.

الإتجاه اليوم برأي محمد في التدريب هو للأسماء الشابة حيث أكثر الفرق الناجحة حوالي العالم مدربيها شباب وهم أبدوا قابلية للتطور والتعلم مع السفر لأي بلد من أجل إقامة دورات تدريبية وحضور ندوات، هذا لا يقلل من شأن المدربين الكبار في العمر والذين لهم إنجازات كبيرة لكن أعتقد أنهم وصلوا لمكان لم يعودوا قادرين بمعظمهم على تقديم أي افكار جديدة.

في لبنان العنصر الشاب موجود إنما محليا وقليلا ما نرى استقدام مدربين أجانب شباب فالمعظم يكون من الكبار في السن. أود الإشارة هنا إلى أنه يوجد حاليا في لبنان ثلاث أو اربع مدربين شباب في لبنان ذو مستوى عالي وهم قادرون في المستقبل على أن يتطوروا أكثر ما سينعكس إيجابا على التدريب بشكل عام في لبنان.

واعتبر محمد أن المدرب الاجنبي الذي يأتي إلى لبنان يعاني من التأسيس الخاطئ للاعبين وأنا عملت مع عدة مدربين اجانب كانوا مضطرين لتعليم اللاعبين أساسيات بديهية في عالم كرة القدم، فيضطر للبدء معه من الصفر بدل مساعدته مثلا في النواحي التكتيكية والفنية مباشرة.

أما المدرب اللبناني فهو يعرف كيف تأسس اللاعبون وبالتالي يكون العمل والتأقلم سهل لأنهم ما زالوا من بيئة كروية واحدة إذا صح التعبير ومعظم المدربين الأجانب الذين نجحوا في لبنان كان بسبب فهمهم السريع لعقلية اللاعبين اللبنانيين وتأقلمهم بشكل أسرع مع جو الكرة اللبنانية.

وردا على سؤال حول وجود مدربين عرب في لبنان بينما لا يوجد مدربين لبنانيين في الدول العربية والسبب وراء ذلك، أجاب محمد:من خلال خبرتي البسيطة بعد لعبي في الإمارات، أستطيع القول بأن دول الخليج مثلا تفضل المدرب الأجنبي بشكل عام صاحب الإنجازات الكبيرة وهذا للاسف لم يحقق من قبل المدربين اللبنانيين إضافة إلى غياب الضوء الإعلامي على الكرة اللبنانية، ولكن أي نجاح هنا كبير سينعكس إيجابا على المدرب والدليل مدرب المنتخب السابق ثيو بوكير الذي يدرب حاليا في دوري المحترفين الإماراتي بعدما حقق نجاحا لافتا مع منتخب لبنان.

وختم محمد حديثه بأن تطوير التدريب اللبناني يقع أولا على عاتق المدرب نفسه الذي لا يجب أن يكتفي ببضع شهادات يحملها بل عليه أن يتابع كلما سنحت له الفرصة دورات جديدة إضافة إلى تكبير الطموح الشخصي وأن لا يكون الهدف فقط استلام فريق محلي بل تطوير قدراته ومحاولة الإطلاع على كل جديد خاصة في أوروبا لأنها بكل بساطة تضم افضل مدربي العالم.

رودريغ عقل

من كرة القدم انتقلنا إلى كرة السلة مع أحد أبرز صانعي الالعاب على الساحة المحلية ولاعب المنتخب الوطني المنتقل حديثا إلى بيبلوس، والعائد من تجربة احترافية قصيرة في الفيليبين رودريغ عقل.

يرى عقل في بداية حديثه أنه لا يمكن الحديث بباب الشمولية عند تناول موضوع المدرب اللبناني والمدرب الأجنبي فلكل مميزاته وهناك مدربين مميزين من كلا الجهتين ومدربين لم يوفقوا أيضا من كلا الجهتين.

الأمر يعود في الأساس لفكر المدرب وللطريقة التي يلعب بها. فمثلا المدرب باتريك سابا يركز كثيرا على الأمور التكتيكية والشق الدفاعي بينما مدرب المنتخب اللبناني سابقا ماتيتش يركز على المهارة الفردية أكثر من اللعب الجماعي والأول لبناني والثاني أجنبي وكلنا رأينا من حقق نجاحا أفضل.

لكن من وجهة نظري المتواضعة، يقول عقل بأن المدرب اللبناني لديه ميزة إضافية عن المدرب الاجنبي وهي انه يعرف كيف يكون مديرا للاعبين قبل أن يكون مدربا، أي بمعنى آخر المدرب اللبناني لديه عقلية إدارية افضل من المدرب الاجنبي.

يرى عقل ان هناك مدربين لبنانيين على مستوى عالي فنيا وتكتيكيا كغسان سركيس، فؤاد أبو شقرا، إيلي نصر، جو مجاعص وباتريك سابا رغم أن لكل واحد منه مدرسته الخاصة فباتريك سابا مدرب قريب من العقلية الصربية المنضبظة والتي تفضل اللعب الدفاعي كما ملتزمة جدا في التمراين وأفضل تمارين هي تمارين المدرسة الصربية فيما جو مجاعص قريب من المدرسة الأميركية والتي تركز على الهجوم أكثر من الدفاع.

الآن في لبنان ومع إقرار قانون الثلاث لاعبين اجانب، أصبحت اللعبة أصعب وهناك العديد من الهدافين ما يعني أن الفكر التدريبي الاميركي هو المناسب أكثر من وجهة نظر الكثير من المدربين كون ثلاث هدافين في الملعب من الصعب جدا أن تلعب بفكر دفاعي أوروبي ضدهم وتنجح في كل مباراة.

ويرفض عقل ما يشاع بأن اللاعب اللبناني يتعامل بشكل أفضل مع المدرب الأجنبي من المدرب المحلي وقال: عندما يأتي المدرب الأجنبي في البداية يعامل كضيف لكن مع الوقت شخصيته ونتائجه هي التي تحدد إن كان سيستمر أو لا. أتى الكثير من المدربين إلى لبنان ولم ينجحوا رغم كل التسهيلات التي تلقوها وهناك آخرون فرضوا نفسهم واصبح لديهم اسم كبير، كآلان أباز و نيناد، النتائج برأيي المتواضع هي المعيار الوحيد.


ويعتبر رودريغ أنه تأثر بخليط من المدربين اللبنانيين والاجانب فبدايتي وأنا صغير كانت مع المدرب باتريك سابا ثم المدرب فؤاد أبو شقرا له فضل كبير علي ، كما المدرب بول كافتر والذي أعتبره افضل مدرب أجنبي اتى إلى لبنان عندما لعبت معه في منتخب الناشئين، الاهم هو وجود خطة وتركيبة متجانسة مع عمل جماعي فيما لا أخفي على أحد أنني لم أرتح مثلا مع مدرب المنتخب ماتيتش، الأمر يعود للمدرب نفسه وقدراته وكيفية جعل اللاعبين يرتاحون معه.

وجود مدربين لبنانيين في الخارج واستلامهم لفرق أمر ليس صعب من الناحية الفنية برايي بل من الناحية التقنية حيث قليلا ما نرى الإستعانة بمدربين عرب حيث تميل الفرق للإستعانة بمدربين أوروبيين أو أميريين نظرا لأهمية هاتين المدرستين لكن هذا لا يقلل من قيمة أي مدرب لبناني في استلام فريق أسيوي والنجاح معه وتجربتي في الفيليبين اثبتت لي ما اقول حيث أن مستوى عدد من مدربينا لا يقل شانا عن المدربين الاجانب المميزين.

كريم أبو زيد

من كرة السلة إلى كرة الصالات، اللعبة التي تعتبر من أهم اللعب الجماعية حاليا في لبنان وقد حققت في الفترة الماضية إنجازات لا بأس بها.

الحديث كان مع نجم فريق بنك بيروت ولاعب المنتخب الوطني الذي خاض تجربة إحترافية خارجية أيضا كريم أبو زيد الذي قال في بداية حديثه أن كل مدرب سواء كان لبنانيا أو أجنبيا لديه أمور خاصة به لا تتواجد في أي مدرب آخر والأمر الاساس هنا عائد لخبرة المدرب وأي فرق درب وفي أية بلدان إضافة للبطولات التي حققها.

لكن الأمر الوحيد الذي أعتقد أن المدرب اللبناني له أفضلية فيها على المدرب الاجنبي هي معرفته العميقة لعقلية اللاعب اللبناني فيما برأيي في الجهة الاخرى أن ميزة المدرب الأجنبي على اللبناني هي في كونه درب كرة صالات في بلدان أقوى من لبنان.

يؤيد أبو زيد مقولة بأن صيت المدرب الأجنبي يساعده في تدريب أي فريق فهناك فرق تؤمن كل ما يلزم للمدرب الاجنبي فيما تؤمن النصف للمدرب اللبناني ذلك وحسب إدارة الفريق وهذا الأمر ليس فقط في لبنان بل مثلا قطر استقدمت المدرب الإسباني الشهير خيسوس كانديفا وأمنت له كل ما يريد ثم عادت وتعاقدت مع مدرب آخر بعدها ولم تؤمن له ربع ما أمنت للمدرب الإسباني، اسم المدرب وشهرته تلعب بالطبع دورا في هذا المجال.

في الشق الفني، لا يمكن فصل المدرب الاجنبي عن المدرب اللبناني من ناحية التعامل مع المباريات فنيا خاصة قبل المباراة وبين شوطيها، فهذا أمر يعود لشخصية المدرب وليس لجنسيته، البعض يتكلم أمورا فنية بحتة والآخر يركز على الجانب النفسي والمعنوي.

لكن بلا شك خبرة المدرب الأجنبي أكبر حيث يكون قد درب فرق قوية وفي بلدان مميزة في اللعبة ليس كالمدرب اللبناني صاحب التجربة المحلية فقط.

يعتبر أبو زيد أن وصول المدربين اللبنانيين للاحتراف في الخارج أمر ليس صعبا لكنه مستبعد حاليا بسبب قلة الإمكانيات، فكي تصل إلى الخارج يجب عليك بذل مجهود فردي مضاعف وإذا ما استثنينا تجربة المدرب حسين ديب فإن الأمور تحتاج إلى جهد كبير وإمكانيات أكبر.

يرفض أبو زيد فكرة أن يتصرف المدرب حسب عقلية اللاعب وهذا أمر يجب أن نغيره في لبنان. نحن كلاعبين يجب أن يكون لدينا عقلية واحدة احترافية مؤكدا أنه لا ينظر لجنسية المدرب بل ينظر فقط لما يمكنه أن يتعلم منه ويطور من مستواه لكني لا أنف أن التمرن مع المدرب الأجنبي أفضل وهذا طبيعي نظرا لخبرته الكبيرة والتي تشعرك فعلا بأنك تتطور وتتعلم أشياء جديدة بينما أحيانا وبكل صراحة تتمرن مع مدربين لبنانيين تكون انت تعرف باللعبة أكثر منهم.

وختم أبو زيد حديثه بالقول إن معظم الإدارات لا تتدخل في شؤون المدرب سواء كان أجنبيا أم محليا ولا تضع التشكيلة مسبقا رغم وجود هذا الأمر في عدد قليل من الاندية وهؤلاء لا يستقدمون مدربا أجنبيا لانه لا يمكن تقييمه إن تدخلت في عمله الفني لكن بشكل عام إدارات أندية الفوتسال تعلم تماما واجباتها تجاه المدربين ولا تتدخل في عمل أي منهم وهذا ما لمسته انا كلاعب خلال مسيرتي مع أكثر من فريق لبناني.

إذا نستطيع أن نستنتج ومن وجهة نظر اللاعبين ان الفكر الفني والتكتيكي لأي مدرب قائم على مدى قوة شخصيته ومهارته التدريبية، لكن هذا لا يخف أن المدرب الأجنبي وبحكم تجربته الكبيرة والغنية في دوريات أقوى من دورياتنا ومع فرق ذو مستوى اعلى يتفوق أحيانا على المدربين اللبنانيين الذين هم بدورهم يمتلكون مستويات مميزة ولا يقل كثير منهم شأنا عن أفضل المدربين الاجانب على الرغم من الإمكانات التطويرية القليلة المتاحة أمامهم.