يعتبر الطب الرياضي من أهم العلوم الحديثة والتي بدأت بالإنتشار كثيرا مع مطلع الالفية الثالثة حيث شهد هذا المجال تطورا ملحوظا إن على صعيد الإمكانيات البشرية أو التجهيزات التكنولوجية الحديثة. ويعرف الطب الرياضي على أنه أحد الاختصاصات في الطب التي تهتم ببحث وعلاج التطورات والتغيرات الوظيفية والتشريحية والمرضية المختلفة في جسم الإنسان كنتاج لنشاطه الحركي في الظروف العادية والمختلفة كما أنه يبحث أيضاً العلاقات التطبيقية الوثيقة لمختلف الفروع الطبية بأداء وممارسة النشاط العادي والرياضي للفرد. ويعتبر الطب الرياضي وسيلة لعلاج وتشخيص الاصابات الرياضية وخصوصا الالتواءات والتشوهات التي تحدث في الاربطة أو العضلات والتي تحدث أثناء الحركات المختلفة للجسم.


في لبنان، وعلى الرغم من وجود العديد من الجامعات الرائدة في مجال الطب غير أنه لا يوجد كلية للطب الرياضي أي بمعنى أن الشاب اللبناني الذي يريد التخصص في مجال الإصابات الرياضية لن يجد جامعة محلية تفتح له أبوابها كي يدرس فيها، ما يدفعه إلى السفر للخارج حيث تكون مدة التخصص 3 سنوات بعد إكماله لسبع سنوات في الطب العام. كما يعتقد كثيرون في لبنان أن الطب الرياضي والعلاج الفيزيائي هما أمر واحد وتخصص واحد وهذا تفكير خاطئ تماما. ومع أن المعالجين الفيزيائيين ينتشرون بكثرة مع الأندية اللبنانية لكن هذا لا يلغي دور الطبيب الرياضي الذي يبقى دوره هو الاساس في اي إصابة.


في هذا التحقيق سنحاول تسليط الضوء على الطب الرياضي والعلاج الفيزيائي في لبنان وعن كيفية التعامل مع الإصابات الرياضة، كما واقع الأطباء والمعالجين الفيزيائيين كما سنتحدث أيضا عن معايير السلامة العامة المفقودة في لبنان خاصة أننا نشهد دائما وآخرها في وقت ليس ببعيد، حوادث خطرة في عديد من ملاعب العالم أودت بحياة عدة لاعبين، وعن مدى جهوزية لبنان للتعامل مع هذه الامور إن حدثت لا قدر الله.

الدكتور جوني ابراهيم


هو طبيب المنتخب اللبناني لكرة القدم ونادي الهومنتمن انطلياس للسيدات درس الطب الرياضي في ألمانيا عام 1998، بدأ مسيرته مع المنتخب اللبناني في كأس آسيا عام 2000 التي أقيمت في لبنان، ثم عمل مع عديد من أندية كرة السلة كالرياضي والهومنتمن، ليسافر بعدها إلى الكويت ويعمل أيضا مع أندية كرة السلة فيها كالقادسية والكويت، كما رافق المنتخب الكويتي ثم المنتخب الأردني في العصر الذهبي لكرة السلة من عام 2006 وحتى عام 2010 قبل أن يعود إلى لبنان في نهاية عام 2010.


يرى ابراهيم أن الطب الرياضي في لبنان جيد للغاية حيث يعتبر لبنان بشكل عام بلدا متطورا من ناحية الخدمات الطبية إضافة إلى أن معظم العاملين في هذا المجال، خاصة المعالجين الفيزيائيين أصبح لديهم معرفة كبيرة، لكن بالطبع هم يقفون عند حدود معينة ومن بعدها يصبح دور الطبيب الرياضي إلزاميا. اما عن سبب عدم وجود تخصص للطب الرياضي في الجامعات اللبنانية فيقول إن هذا التخصص في لبنان لا يأتي بالمال الكثير وبالتالي الموضوع مادي بالدرجة الأولى، فلا يوجد طبيب يختار تخصص الطب الرياضي في لبنان وهو يستطيع مثلا أن يتخصص في العظم، الشرايين، القلب وإلى ما هنالك حيث يحصد مالا باضعاف مضاعفة، ونحن ذهبنا لهذا الإختصاص لأننا نعشق الرياضة ونحبها وليس من أجل تجميع ثروة لأن لا إمكانية في لبنان لذلك.

وقال إن كل ناد في لبنان يريد أن يكون لديه طبيب رياضي مع الفريق لكن الوضع المادي لا يسمح لهم بذلك، فهم لا يستطيعون تحمل مصاريفه لذلك يلجأون للإستعانة بمعالجين فيزيائيين لكننا علينا أن نعلم بأن المعالج الفيزيائي يدرس أربع سنوات بينما الطبيب الرياضي يدرس عشر سنوات وبشكل أشمل، لذلك لا يجب الدمج بهذا الموضوع بل إعطاء كل ذي حق حقه فالمعالج الفيزيائي شيء والطبيب الرياضي المتخصص شيء آخر. وأيّد فكرة استحداث قانون يجبر كل ناد على أن يكون معه طبيب رياضي لكن هكذا قانون يستوجب زيادة في عدد الاطباء الرياضيين اللبنانيين لأن العدد الحالي لا يكفي. وكشف أن العديد من اللاعبين العرب يأتون إلى لبنان من اجل التعافي من إصاباتهم فكل المستلزمات سواء الجراحية أو مراكز إعادة التأهيل موجودة على أعلى المستويات دون أن ننسى وجود كادر بشري من أطباء وممرضين على أعلى مستوى.


وردا على سؤال حول إمكانية تعليم اختصاص الطب الرياضي في حال طلبت منه جامعة لبنانية ذلك، أجاب بالقبول الفوري لأنه يجب نقل الخبرات للاطباء الجدد لكن للأمانة كيف سنشجع زملاءنا أطباء المستقبل على الدخول في اختصاص لا يؤمن لهم مستقبلا جيد ؟ فأنا ورغم كل خبرتي الطويلة لو أني لا أمارس معالجة آلام الظهر لا يمكنني العيش بطريقة جيدة أما إذا حضرنا طبيبا رياضيا في لبنان وأرسلناه إلى الخارج ليعمل هناك، فإن هذا سيكون بالطبع أمرا جيدا لا بل ممتازا، مشيراً إلى أن نقابة الاطباء في لبنان تعترف بشهادة الطب الرياضي ويمكن تسجيل هذا الإختصاص لديها.


وفيما خص موضوع السلامة العامة في الملاعب الرياضية وخاصة كرة القدم، اعتبر ابراهيم أن هذا الموضوع مهم جدا، خاصة وأن حوادث كثيرة تقع في بلدان أخرى ونراها، من هنا يجب إيلاء هذا الموضوع أهمية كبرى بداية من تجهيز سيارة إسعاف كاملة تتواجد في الملعب إضافة إلى وجود طبيب في كل مباراة رياضية، مقترحا أن يتم إرسال طبيب من الذين يتعلمون مهنة الطب عبر التعاقد مع أي من الجامعات لتغطية المباريات كافة، وهذا ما يفعله اتحاد كرة السلة باتفاق مع احدى الجامعات اللبنانية التي تؤمّن تلميذا من كلية الطب لكل مباراة وهذا يجب أن يعمم في كرة القدم والرياضات الجماعية الأخرى.


ابراهيم أخبرنا انه ورغم تخصصه في الطب الرياضي لكنه كي يضمن معيار سلامة على أعلى مستوى، دائما ما يتواجد في مباريات المنتخب في الملعب الدكتور ألفرد خوري وطبيب قلب آخر مزود بجهاز الصدمة الكهربائية الموزع من قبل الفيفا لإعادة إنعاش القلب، من أجل ضمان التعامل مع اي حدث طارئ.

ايلي متني


ليس طبيباً رياضياً ولكنه المعالج الفيزيائي للمنتخب اللبناني ونادي الصفاء لكرة القدم، درس العلاج الفيزيائي في كلية الصحة-الجامعة اللبنانية كما درس اختصاص الإصابات الرياضة إضافة إلى حيازته على ماسترز في العلاج اليدوي.


وقال انه أتم ثلاثة عشر عاما من العمل في هذا المجال مع الفرق الرياضية، وهو اختار هذا المجال بدافع حبه الشديد للرياضة عموما ولكرة القدم خصوصا منذ صغره، إضافة إلى حبه للطب فأراد أن يدرس اختصاصا يبقيه قريبا من الرياضة وجوّها فاتجه نحو العلاج الفيزيائي. يقول متني ان العلاج الفيزيائي اليوم مهم جدا ووجود معالج فيزيائي مع أي فريق رياضي هو أمر الزامي رغم ان الفكرة كانت في السنين السابقة غير مقبولة من الجميع، لكن اليوم وخاصة اندية الدرجة الأولى، تعلم أن قسما كبيرا من الاصابات الرياضية اذا عولجت بشكل صحيح على يد معالج فيزيائي مختص، ستجعل اللاعب يعود بشكل أسرع ما سيفيدها دون ادنى شك.


وأكد أن المشكلة الاساسية في هذا المجال هي أن المختصين في العلاج الفيزيائي والإصابات الرياضية معدودون للغاية وهناك بعض الأندية التي لديها معالجون لم يحصلوا على شهادات أو ليس لديهم الخبرة الكافية خاصة في كرة القدم، لكننا لا نستطيع الإضاءة على هذه النقطة كي لا يقولوا بأننا نستهدف زملاء لنا أو ما شابه ذلك، ولكن هدفنا من الحديث هو المصلحة العامة ومصلحة المهنة. ودعا الإتحاد اللبناني لكرة القدم المسؤول عن تنظيم البطولات وعن الأندية، إلى اتخاذ قرار بمنع اي معالج رياضي ليس لديه شهادات من ممارسة هذه المهنة مع أي ناد، أسوة بالقرار الذي اتخذ حول موضوع منع اي ناد من التعاقد مع مدربين لا يملكون شهادات تدريب لأن الأمر يتعلق بسلامة اللاعبين أولا وأخيرا.

وقال متني انه موضوع السلامة العامة في كرة القدم "حدّث ولا حرج" بعكس كرة السلة حيث يولى الموضوع اهمية قصوى. فنحن كمعالجون فيزيائيون عملنا على ارض الملعب محدود خاصة في موضوع اصابات الراس أو النوبات القلبية، إذ نحتاج لطبيب ولدفاع مدني مع سيارة اسعاف مجهزة وهذا أيضا امر اضعه برسم المسؤولين عن اللعبة حيث اننا في كثير من الاوقات اذا نقلنا المصاب بسيارة مجهزة سننقذ حياته او سنخفف من خطورة اصابته.


فيما خص العلاقة بين الطبيب المختص والمعالج الفيزيائي، يرى متني أنها علاقة تكاملية وضرورية فالمعالج عمله أكثر على الأرض كاحماء اللاعب أو في أرض الملعب لكن الطبيب هو صاحب الرأي في تشخيص الإصابة ووصف الدواء المناسب مع الصور او في حال اللجوء الى جراحة، وبالتالي غالبا ما يفضل وجود طبيب ومعالج في نفس الوقت مع الفرق لكن للأسف بسبب وضع الأندية المادي الصعب في كرة القدم، لا يتم تطبيق هذا الأمر إلا حاليا مع المنتخب اللبناني لكرة القدم.


واراد في ختام حديثه الإضاءة على موضوع المنشطات حيث لا رقابة من قبل أحد على هذا الموضوع وهو وإن لا يملك دليلا قاطعا على هذا الامر، إلا انه متأكد ان كثيرا من اللاعبين يتعاطون مواد منشطة، خاصة أن اللاعب يعرف أنه غير مراقب وبالتالي هذا موضوع خطير يجب على المسؤولين الرياضيين الإهتمام به مع اشارته الى انه في كرة السلة، كان الأمر مطبقا وكانت هناك فحوص دورية للاعبين منذ عدة سنوات لكن الأمر خف اليوم وبالتالي هناك حاجة ماسة لاعادة مثل هذه الفحوص في كل الالعاب، لما لهذا الموضوع من تأثير خطير على اللعبة وعلى صحة اللاعب بالدرجة الاولى.

بشير الياس


تعتبر كرة السلة احدى ابرز الرياضات في لبنان حاليا خاصة على صعيد العمل الإحترافي والمبالغ المادية الكبيرة التي تدفع في هذه اللعبة. من هنا كان الحديث مع المعالج الفيزيائي لنادي الرياضي بيروت بشير الياس الذي يمارس هذه المهنة منذ عشر سنوات.


بالنسبة الى الياس فإن الطب الرياضي في لبنان مقارنة بالشرق الأوسط وافريقيا متطور للغاية، لكن ما زال ينقصه الكثير للحاق بالمستوى الموجود في أوروبا وأميركا. هذا لا ينفي وجود أطباء رياضيين ومعالجين فيزيائيين على مستوى عال، لكنهم لا يأخذون حقهم وأن نظرة البلد بشكل عام إلى الرياضة نظرة دونية بسبب غياب الثقافة وبسبب ان الرياضة في لبنان ما زالت هاوية، لكن في كرة السلة الامور افضل من العاب اخرى ككرة القدم والكرة الطائرة، فالأندية تحب دائما أن توفر المال بعكس أندية كرة السلة التي لديها امكانيات مختلفة وتعطي هذا المجال حقه.


واوضح بأن أساس النجاح للمعالج الفيزيائي هو أن يفهم اللعبة وطبيعة حركتها ليثقدّر كيفية تحرك العضلة عند كل حركة، من اجل معرفة نوعية المشاكل التي تحصل وكيفية حلها، مشيرا إلى أن امكانيات كرة السلة بشكل عام تختلف عن باقي الرياضات حيث رواتب المعالجين الفيزيائيين جيدة وهذا ادى الى وجود نخبة المعالجين الفيزيائيين في هذه اللعبة دون الإنتقاص من ألعاب اخرى فيها ايضا معالجين على مستوى عال جدا.


وفيما خص وجود بعض المعالجين الذين لا يتمتعون بخبرة كافية في هذا المجال أو بشهادة جامعية، لفت الى ان المياه تكذب الغطاس، واللاعبون اليوم أصبحوا على درجة كبيرة من الوعي ولديهم خبرة في الإصابات، فيستطيعون كشف المعالج الجيد من المعالج السيء عبر الأسئلة التي يطرحونها عليه ونوعية الأجوبة التي يحصلون عليها منه، وما ذهاب لاعبين إلى معالجين من خارج أنديتهم إلا انهم يعلمون من هم المعالجون المميزون ففي هذا المجال فالكفاءة تظهر سريعا.


ورأى أن مشكلة بعض المعالجين الفيزيائيين هي عدم مصارحة اللاعبين بحقيقة اصابتهم، فاللاعب بشكل عام لا يحب ان تقول له بأن اصابتك ستطول وبالتالي يقولون لهم ان الإصابة بسيطة وعندما يعود اللاعب من أول نشاط رياضي تتفاقم إصابته وهذا خطأ كبير، فالصراحة في هذه المهنة هي الأساس.

وأكد أن لبنان يتمتع بكافة المؤهلات من ناحية العلاج التأهيلي بعد الإصابة إن كان من النواحي المادية أي الألات أو من ناحية الإمكانات البشرية، كاشفا ان اعادة التأهيل لا تتوقف على جودة الالات المستعملة بقدر ما يهم طريقة العلاج وكيفية إرجاع اللاعب المصاب الى التمارين ومن ثم إدخاله بلا اي ألم في جو المباريات.


وشدد على أن النادي الرياضي يولي اهمية كبرى لموضوع السلامة وهو يقوم كل سنة بفحص للقلب لكل لاعبي الفريق بكل فئاته العمرية، رجالا وسيدات من أجل معرفة وضع القلب وتجنب أي حالات توقف للقلب لا سمح الله. ومعظم هذه المشاكل تكون بسيطة ويمكن حلها بعملية بسيطة ويعود اللاعب بعد شهرين للعب دون اي مشاكل. كما أنه هناك آلات من أجل اعادة احياء القلب بصدمة كهربائية موجودة في النادي، وهي يجب ان تكون موجودة في كل الملاعب وهي سهلة الإستعمال من اجل ضمان عدم حصول اي حادث.
الياس ختم حديثه بالدعوة الى زيادة عدد الكادر الطبي في الفرق الرياضية وإيلاء هذا الأمر اهمية كبرى لان الرياضة من دون سلامة عامة لا قيمة لها.


في الخلاصة، يمتلك لبنان العديد من الاطباء الرياضيين اللامعين، كذلك الأمر للمعالجين الفيزيائيين الذين يقومون بعمل مميز لكن هذا لا يعني أن واقع هذا القطاع مثالي فهو يحتاج إلى تنظيم وإلى إجبار للأندية على التعاقد مع كوادر طبية تحمل شهادات معترف بها وإلى زيادة معايير السلامة العامة في ملاعبنا قبل وقوع كارثة لا تحمد عقباها، ومن له اذنان سامعتان فليسمع.

احمد علاء الدين