سامي جو النقاش

كحال كل شيئ في بلدنا العزيز لبنان ، تعاني الرياضة اللبنانية معاناة شديدة على الرغم من أهميتها القصوى في بناء مجتمع سليم وراق وتهذيب نفوس الأفراد. إهمال مقصود وغير مبرر ممن يفترض أن يكونوا مسؤولين عنها. فعلى الرغم وجود لجنة للشباب والرياضة في مجلسنا النيابي الكريم ، ووزارة خاصة بالشباب والرياضة تضم كافة الإتحادات الرياضية من مختلف الألعاب، واتحادات لكل رياضة، نرى رياضتنا في تراجع مستمر، فلا جمهور يتابع ولا نتائج تتحقق، ولا دعم ولا تخطيط ولا رؤية مستقبلية.


لعبة ​كرة اليد​، كأشقائها باقي الألعاب تعاني من إهمال واضح و صريح كلفها رجوعا إلى الوراء بل أصبح يهدد وجودها بعد أن تقدمت خطوات كثيرة إلى الأمام.
هي لعبة جميلة وممتعة من ستين دقيقة، لا يعلم الكثيرون عنها، رغم ما قدمته للبنان من إنجازات قارية وعالمية . وبطبيعة الحال، الجمهور اللبناني ليس على علم اليوم بأن ازدهارها السابق قد تحول اليوم إلى دمار.
وقبل الغوص في تفاصيل مأساة كرة اليد في بلدنا، لا بد أن نذكر، بأن لبنان استضاف البطولة الآسيوية عام 2011 المؤهلة لكأس العالم لكرة اليد وفشل في التأهل ليسجل إنجازا سلبيا بأن يكون البلد الوحيد الذي لم يتأهل إلى نهائيات البطولة العالمية بعد استضافة تصفياتها.


أما على صعيد الأندية، فقد رفع ​نادي السد​ إسم لبنان عاليا في كثير من الاوقات بعد مشاركته مرتين في كأس العالم لأندية كرة اليد، أحرز في إحداها الميدالية البرونزية ( حل ثالثا ) واحتل عرش آسيا بإحرازه بطولة الأندية الاسيوية.

إنجازات سقطت اليوم إذ أن واقع اللعبة بات مختلفا كليا، واقع يشهد على كثير من المشاكل التي ضربت اللعبة وأضعفت بطولتها المحلية وجعلنا بعيدين مسافات عن الأيام الخوالي للعبة الجميلة.


هذه اللعبة التي لم يكتمل دورها النهائي الموسم الفائت والذي جمع بين ناديي الصداقة والسد، إذ قرر الأخير الانسحاب من النهائي تبعه بعدها قرار بالإنسحاب من اللعبة نهائيا. هذا الإنسحاب اتخذه رئيس نادي السد السابق تميم سليمان مقررا هجر اللعبة والإتجاه إلى لعبة كرة القدم حيث يشغل حاليا منصب رئيس نادي العهد الرياضي.


نادي السد ليس أول من اتخذ هذا القرار، فقبله شباب حارة صيدا من سنتين، وتبعه نادي مار الياس. انسحابات بالجملة لم يحرك لها اتحاد اللعبة، بل زاده هذا الأمر اهمالا أكثر حتى وصلت الامور إلى حد لا يمكن السكوت عنه.

ماهر همدر: كرة اليد مظلومة ومصيرها مجهول


قائد نادي السد "ماهر همدر" كان له رأي في كل ما حصل، فقال:
أرى أن قرار انسحاب نادي السد من البطولة كان قرارا صائبا، ﻷننا تعرضنا لظلم كبير. و هذا القرار لم يأت فقط من إشكال نهائي الموسم المنصرم، إنما لتراكم الأخطاء بحقنا وحق اللعبة ككل من قبل الإتحاد. فقد قدم الرئيس السابق للنادي لهذه اللعبة ما لم يفعله أحد قط. لكن هذا القرار، الذي كان لا بد منه، كان في مكان ما مجحفا بعض الشيء بحق اللاعبين. فهم اليوم أصبحوا خارج أسوار اللعبة التي أحبوها، واذا توالت الإنسحابات، لن يجد اللاعبون مستقبلا اي فريق لينضموا إليه، وإن وجدوا سينضمون على حساب لاعبين آخرين و هذا ليس حلا.
همدر تابع حديثه قائلا: أنا حزين على ما حدث، فخيبة أملنا كانت عندما تعامل الإتحاد بشكل خاطئ مع المشكلة. فبعد مباراة النهائي بين طرفي اللعبة الأهم، وتواجد الجماهير والإعلام، وكل الإشكالات التي حدثت على مرأى من الجميع، لم يحرك الإتحاد ساكناً، واجتمع بعد 48 ساعة من الحادثة.


وتابع: بعد انسحاب السد، أقيم كأس لبنان لكرة اليد بأربع فرق فقط: الصداقة و الجمهور من النوادي المنضوية تحت لواء الإتحاد ، والجيش والإطفائية من المؤسسات، ما يدل على واقع اللعبة المنهار.
لقد أمضيت ثمان سنوات من عمري في هذا النادي، واعتدت على الفوز والتتويج والمنافسة على ألقاب العمر محلياً وقاريا ودولياً. ما زلت أحب هذه اللعبة وإن وجدت العرض المناسب سأعود إليها بشغف. وبالنسبة لمسيرتي، كانت أكثر من رائعة منذ بدايتي في عام 2007، من الدرجة الثانية والصعود إلى الأولى، إلى البطولة اﻵسيوية والمشاركة في كأس العالم وإحراز البرونزية.


ولدى همدر عتب كبير على إتحاد اللعبة، فهو بنظره ليس فقط مقصرا بحق اللعبة، إنما أيضاً يوجد أعضاء لا يحق لهم التواجد في مناصبهم على حد قوله. فعلى سبيل المثال، رئيس لجنة التحكيم في الإتحاد لم يكن يوماً حكماً ولا يعلم عن التحكيم أكثر مما يعلمه أي حكم صاعد.


همدر يؤكد أن أكثر ما يشعره بالحزن هوعدم مبالاة الاتحاد فاللعبة تفتقد للناشئين، الذين هم ضمان استمراريتها. فبعد اعتزال هذا الجيل، لن نجد خلفا له وهنا يسأل همدر الإتحاد: " إلى أين أنتم ذاهبون في اللعبة؟ " فالمنتخب اللبناني لكرة اليد، لم يجتمع منذ عام 2011، أي منذ مشاركته في البطولة الآسيوية. وقتها كان نادي السد قادماً من مشاركة آسيوية في الأردن حقق فيها الوصافة، وكنا فريقاً من اللبنانيين، دون أجانب. وقد قام الإتحاد في ذلك الوقت بتجربة جميع لاعبي كرة اليد اللبنانيين عدا 4 لاعبين من نادي السد بحجة أنه لا يمكنهم أن يستدعوا جميع لاعبي السد للمنتخب!! "
همدر يختتم حديثه برسالة عتب تشوبها غصة يوجهها للإعلام الرياضي في لبنان، فدوره مهم جداً في ازدهار هذه اللعبة ونحن كلاعبين شعرنا كثيراً بتقصير الإعلام تجاه هذه اللعبة. وقال: أعلم ان ظروف البلد لا تساعد كثيراً، فقناة المنار حصلت على حقوق نقل اللعبة وتعرض حينها لبنان للعدوان الإسرائيلي في تموز 2006. لكن لعبة كرة اليد يجب أن تأخذ حقها كباقي الرياضات، ما سيؤدي إلى زيادة جماهيريتها. صدقوني أن الكثير من الجمهور يعتقد أن لعبة كرة اليد هي كرة القدم الأميركية بخوذة ودرع!!!

محمد الزين وسامي همدر يتحدثان


ومن قائد نادي السد، توجهنا إلى أمين سر نادي شباب حارة صيدا " محمد الزين " ، الذي ذكرنا في البداية أنه اقدم أيضا منذ سنتين على الإنسحاب من البطولة. زين سرد لنا ما حدث كالتالي:


" إنسحبنا بعد أن أخل اتحاد اللعبة باتفاقنا. فقد كان من المتوجب علينا أن نخوض مباريات الفاينل 4 مع ​نادي الصداقة​، وفي ذلك الحين، كانت صيدا تشهد أحداثاً أمنية صعبة ورصاص وحرب في عبرا قرب بلدتنا حارة صيدا. فطلبنا تأجيل المباراة الأولى من السلسلة، وقد وافق الإتحاد وأقر الذهاب نهار الخميس والإياب يوم السبت والأحد للمباراة الفاصلة. توجهنا الخميس تحت الضغط والتوتر من الوضع الأمني، وخسرنا مباراة الذهاب لنتفاجئ ظهر الجمعة ببريد من الاتحاد يخبرنا بأنه قرر إقامة الإياب اليوم وقد أرسل لنا الحكام فرفضنا ولم نلعب. أما السبت فانتظرنا الصداقة ولم يأت لنعلم بعدها أنهم في انتظارنا للعب المباراة الفاصلة وإلا نعتبر خاسرين، وهذا ما حدث، لم نذهب وانسحبنا، فقرر الاتحاد إنزالنا للدرجة الثانية التي لم نخضها."


و لأن نادي الصداقة هو من العناصر الاساسية للعبة كرة اليد، احببنا أن نأخذ رأي أحد لاعبيه الحارس سامي همدر.
يقول سامي: "اللعبة سابقاً كانت افضل بكثير، كنا متحمسين جدا، لكن الحوافز اليوم جميعها قد اختفت، وأصبح الجميع على يقين أنه لا أمل للتطور.
و فيما يخص انسحاب نادي السد يرى سامي أن السد لم ينسحب فقط بسبب ما حدث في مباراتنا معهم، ﻷن الفريقين كانا مخطئين. إنما برأيه أن إدارة نادي السد صرفت الكثير واهتمت بالنادي لكنها لم تجد الاهتمام الكافي من الاتحاد والجمهور.


وعلى صعيد المنتخب، يرى سامي أن الفريق اللبناني كان فريقاً رائعاً في الفترة ما ببن 2004 و 2006. جميعنا لبنانيين من دون مجنسين، خضنا بطولة في قطر تغلبنا بها على الصين والإمارات، وقد تأهل الأخير اليوم لكأس العالم بنفس الفريق الذي ربحناه. لو أن الإتحاد اهتم لأمر المنتخب و دعمه و طوره لكنا اليوم من الأفضل في آسيا!
و يعتبر حارس نادي الصداقة أن النهوض في اللعبة يكمن بحل الخلافات و التوجه إلى المدارس و الجامعات لنشر اللعبة و بناء جيل جديد يضمن استمرارية اللعبة" .

احمد درويش: الدوري في شباط وحل تواقيع اللاعبين في الاندية

ولكن، ماذا يقول الاتحاد وهو المعني الاول عن اللعبة وتطورها في لبنان؟


إتصلنا بنائب رئيس الإتحاد أحمد درويش وسألناه عن وجهة نظر الإتحاد عما حصل في النهائي وانسحاب نادي السد نهائيا من اللعبة فأجاب: لن أتكلم عن النهائي لأني ممثل نادي الصداقة في الإتحاد ورأيي سيعتبر تلقائيا مع الصداقة لذلك لن أدخل في هذا الأمر. لكنه أكد أن لا مشكلة للصداقة مع أي فريق آخر.


أما عن هجر السد للعبة فمع تقدير درويش للدور البارز الذي لعبه السد سواء داخليا أم خارجيا وعلى صعيد عائلة الأندية ككل وأسفه لهذا الإنسحاب، رأى أن اللعبة لا تتأثر بانسحاب أي ناد مهما كان.
وفي معرض استفسارنا عن وضع الدوري اللبناني لكرة اليد حاليا رد درويش قائلا: حاليا تقام منافسات دوري الفئات العمرية وعند انتهائها سيتم حل تواقيع كافة لاعبي الأندية لمرور 4 سنوات عليها وسيعاد تشكيل الفرق ليبدأ الدوري في شهر شباط المقبل, دوري موسم 2015-2016. و لفت درويش إلى أنه عكس كرة القدم والسلة وباقي الألعاب، يبدأ موسم كرة اليد في شباط وليس بأوائل الخريف.


درويش اوضح أن التغطية الإعلامية ستكون موجودة وهناك لجنة إعلامية من صحفيين بارزين تتابع هذا الموضوع بإيجابية شديدة، كما قال.
و فيما يخص المنتخب الوطني اللبناني لكرة اليد و الإستحقاقات القادمة التي تنتظره, رأى درويش أن الروزنامة ليست حاضرة بعد و لكن الإتحاد سيشارك في أي استحقاق خارجي سواء لمنتخب الشباب أو المنتخب الأول مع تحضير مسبق لتحقيق أقصى نتائج إيجابية ممكنة.


معاناة كثيرة، إهمال واضح، لعبة على حافة الإنهيار ولا احد يبالي. إتحاد يواجه التهم ويدافع عن نفسه، وزارة تتخبط في بحر من التشكيك حول التلكوء في المساهمة لعلاج الوضع، لجنة نيابية رياضية لا تقوم بدورها الرقابي على اكمل وجه.
واقع مزر وصلت إليه اللعبة، فبعدما صعدنا سلم العالمية ورفع منتخبنا اسم لبنان عاليا أصبحنا نبحث اليوم عن مجرد إستمرار. من غرفة العناية المركزة حيث ترقد كرة اليد اللبنانية نوجه صرخة استغاثة لإنقاذ اللعبة قبل أن تصبح جزءا من الماضي.... فهل من مجيب ؟؟