سامي جو النقاش

منذ نعومة اظافره،يتآلف الطفل مع الكرة، فيحبها ويتعلّق بها. والطفل اللبناني لا يختلف عن بقية الاطفال وهو يكبر ليزداد تعلقاً بالكرة قبل ان يتلقى صدمة حياته حين يعلم انه وهب نفسه لناديه مدى الحياة!

فاللعبة في بلادنا لا تزال تفتقد إلى الكثير، رغم محاولات دائمة لجعلها أفضل.

وبما أن الدوري اللبناني دوري للهواة في كرة القدم، لا يزال "نظام العبودية" يسيطر عليه، اي بمعنى آخر أن اللاعب الذي يتلقى عرض الإنضمام لناد لبناني معيّن، عليه أن يوقّع ويقرّ ويبصم بأنه ملك للنادي مدى الحياة! ولا يحميه أي من قوانين الاتحاد الدولي داخل لبنان ﻷنه ينص على "أن اللاعب يعتبر هاويا إن تدرب أو اشترك في مباراة دولية دون أن يتقاضى أجرا أو تعويضا سوى مصاريف النقل والإقامة وثمن الملابس الرياضية".


والغريب بالموضوع ان معظم اعضاء اتحاد اللعبة في لبنان يتفق مع هذا القانون على اعتبار ان النادي هو الذي اهتمّ واحتض اللاعبين ومن حقه ان يستثمر جهودهم بخدمة النادي، فلولا وجود النادي والاكاديميات التي تعمل تحت اشراف الاندية لما تم اكتشاف موهبة لاعب واحد ولم يكن اي لاعب قادر على تطوير موهبته.

ولكن ليس جميع أعضاء الاتحاد مع البقاء لهذا القانون وفق ما يقوله رهيف علامة أمين عام الاتحاد سابقاٌ فقال :"يصبح اللاعب ملكاٌ خاصاٌ للنادي لحظة توقيع العقد مع النادي اي يصبح اللاعب عبداً للنادي الذي يتحكم به كما يشاء، وهو (اي النادي) الذي يقرر منحه التوقيع وقت يشاء في لبنان اي انه هو "القصة كلها بدو ياكل البيضة والتقشيرة".

وأضاف قائلاٌ "اذا اراد اللاعب الانتقال لاي ناد اخر لابد ان يتم ذلك بالاتفاق مع النادي (بالتراضي) وغالبا ما تكون عن طريق شرط جزائي يكون النادي قد هيأه ليصدم به اللاعب ".

لذلك، يلجأ بعض اللاعبين المميزين أحياناً إلى الإتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" كي يوقع عقد احتراف مع ناد خارج لبنان، وهذا مسموح، ﻷن كل ما يدور في مجال اللعبة لبنانياً لا يتعدى الهواية.
إن نظام التواقيع الأبدية ليس بجديد، بل قديم جداً لدرجة أن جميع الدول قد استغنت عنه بعقود احترافية جديدة، عدا لبنان الذي يعتبره النظام الأنسب! لكننا جميعاً نعلم أنه أسوأ الأنظمة المتبعه على صعيد العالم.
من وجهة النظر الأخرى، هذا النظام يزيل عبئاً كبيرا عن الأندية، فهي ليست بحاجة لتجديد عقود لاعبيها والدفع مع كل تجديد.

الفقر باب توقيع اللاعب


لكن ماذا عن اللاعبين؟ هؤلاء الذين اتخذوا من كرة القدم هواية، يعطونها الكثير، مع أنها في لبنان لا تؤمن معيشة كريمة ﻷي منهم!
لم نسأل لاعبا رياضيا لبنانيا عن قانون التواقيع العجيب في لبنان الا وصرخ ألماً من قلبه علّ احداً يسمع صراخه، صراخ الاسى على اللعبة التي عشقها وطالما حلم بتحقيق انجازات فيها.

وفي هذا المجال، يقول لاعب الراسنغ بول رستم، ان هذا أسوأ نظام على الأطلاق لاسباب عديدة :


1- في ظل هذا القانون يبقى اللاعبون فقراء ولا يستطيع اي لاعب ان يتفاوض مع النادي على مدة وطول فترة العقد.
2- يعامل اللاعبون كعبيد لناديهم حيث أن النادي هو الذي يقرر دفع الرواتب أو لا.
3- اذا كان اللاعب يريد الانتقال الى ناد اخر فهو لا يستطيع ذلك الى ان يقضي المدة الزمنية غير المحددة في ناديه، لذا عليه التوصل الى اتفاق مع النادي (واحياناً تحدث من خلال الخلافات) ليستطيع الانتقال، واذا قرر النادي وقف انتقاله لن يستطيع ذلك.


وختم بول قائلاُ: " كل تلك الأسباب وأكثر منها وراء تدني مستوى كرة القدم في لبنان فبعض اللاعبين لا يمكن ان يكون متفرغاٌ لكرة القدم ويحتاج أن يعمل عملاٌ اخر الى جانب ممارسته كرة القدم ".

ونرى كيف أن كل اللاعبين بالاجمال يعملون عملاٌ اضافيا الى جانب ممارستهم للعبة وهذا سبب كاف لتردي مستواهم الفني فلا يستطيع اللاعب التفرغ بشكل تام للعبة، فهو مخيّر بين ان يتفرغ ويعاني الجوع والعوز، أو ان يعمل عملاٌ اخر بجانب ممارسة اللعبة ويخسر الكثير من ادائه الفني ويتحمل انتقادات الكثيرين دون ان يعرفوا وضعه المعيشي. فهمّ الجمهور ان ير مستويات فنية عالية وهو يطالب اللاعب بأفضل اداء وهو امر لن يستطيع اللاعب تقديمة لان النادي لا يوفر له ظروفا معيشية تسمح له بالتفرغ التام للعبة ليرتقي لمستوى الاحتراف والنجومية العالمية.

والأسوأ، أن بعض اللاعبين يوقعون مقابل أشياء لا قيمة لها، أي حتى دون مقابل مادي، وقد صادفنا لاعبا (طلب عدم الكشف عن اسمه) أخبرنا أنه وقع لناديه مقابل "فروج".

توقيع في عمر التاسعة


يعتبر اللاعبون أعمدة اللعبة، واستعبادهم يحول دون تطورها، فهم رغم ظروفهم المعيشية وعملهم خارج نطاق اللعبة، تجدهم في المباريات يؤدون واجباتهم تجاه الأندية. ولكن مجرد شعور اللاعب الإنسان بالعبودية، سيجعله يتنفض ويتمرد، وهذا يعني خسارة لهيبة النظام والنادي واللعبة ككل.

وفي هذا المجال، يقول الاعلامي محمد كركي: "منذ البطولة الاولى للدوري اللبناني عام 1933 وقانون التواقيع الابدية ما يزال ساري المفعول , وقع عليه لاعبو فرق انقرضت عن الساحة الرياضية ومازال هذا القانون صامدا دون تغيير أو تعديل حتى يومنا هذا."


واضاف: كيف يمكن لمن لم يتجاوز الثامنة من العمر أن يعقد اتفاقا مع ناد، وأي اتفاق هذا الذي ينص على ان الطرف الاخر أي (النادي) يحق له امتلاك اللاعب لفترة زمنية غير محدودة. ومن يعاقب الاداري الذي يوهم اللاعبين أنهم سيحصلون على مستحقات كبيرة سرعان ما يتبين بعد التوقيع أنها وعود مزيفة.


وختم: في لبنان تستطيع أن تقود السيارة عند بلوغك الثامنة عشر ولا يحق لك الإقتراع قبل بلوغ الواحد والعشرين من العمر، لكن بإمكان اي نادي كرة قدم أن يأخذ توقيعك قبل أن تصل إلى سن التاسعة من العمر!.


رغم ذلك يحترم الاعلامي كركي وجه نظر الاندية بأنها الاب المربي والمعتني بكل اللاعبين .

يأمل اللاعبون اللبنانيون ان تصل الى اللعبة الى قانون عصري كما في أغلب الدول حيث لا يصبح اللاعب سجين التواقيع مدى الحياة، ويتطلعون الى مرحلة احترافية تبدأ بتغيير جذري لهذا القانون المجحف بحق المواهب اللبنانية الكثيرة .


إن نظام التواقيع الأبدية كما ذكرنا يصب في مصلحة الأندية اللبنانية، لكن أغلب اللاعبين من بيئة فقيرة، أي ليسوا بحال أفضل من إدارات الأندية، لذا يجب إعادة النظر بهذا النظام المتحكم بمشوارهم الكروي، ﻷن مصلحتهم كما مصالح الأندية، مهمة للنهوض بكرة القدم اللبنانية.