كم كنت اود الا اكتب ما سيلي، ولكنني عدت الى رشدي وايقنت انني لا ازال اعيش في لبنان، ولا يزال الوضع على حاله بالنسبة الى طريقة تعامل المسؤولين والقيّمين على الرياضة معنا.


للاسف، يعيش العالم اجمع اجمل لحظاته الكروية بفضل مشاهدة الحدث الرائع الذي يحط رحاله كل اربع سنوات، نعم اربع سنوات، في بلد او بلدين معينين، فيما بقي قسم من اللبنانيين خارج هذه الشريحة لانهم فضلوا بكل بساطة مشاهدة المسؤولين والقيمين على الرياضة عندنا "يستولون" على شاشات التلفزيون ويحلون بدل نجوم كرة القدم، مع فارق اساسي وهو ان النجوم يمتعوننا ولا يخدعوننا بينما العكس صحيح كليا. وللانصاف فقط، وحده وزير الاعلام رمزي جريج كان واضحا في موقفه حين قال انه لم يتبلغ رسميا اي امر من شأنه ان يضمن نقل تلفزيون لبنان المباريات، ولكن المساعي مستمرة.


منذ اشهر، بدأت مسألة نقل فعاليات المونديال في لبنان تأخذ طريقها الى البحث، ومنذ فترة، بدأ الحديث عن بث تلفزيون لبنان هذه الفعاليات بشكل مجاني لجميع اللبنانيين. المضحك ان اللبنانيين صدقوا، وربما لا لوم عليهم كونهم شاهدوا المونديال السابق مجانا، ولكن هذه المرة لم يحصدوا النجاح.


منذ اشهر، تسرّب مصادر تلفزيون لبنان انه سينقل فعاليات المونديال وان التحضيرات جارية على قدم وساق وان الامور تنتظر خواتيمها، وحين وجد البعض ان هذا الامر بدا يترك ارتياحا عاما، بدأ "مونديال" الفوز بالفضل وحصد ما زرع ولو كان على الطريقة "الدونكيشوتية".


وزير من هنا ووزير من هناك، مسؤول من هنا ومسؤول من هناك، كلهم تبجحوا بأنهم سبب نجاح تمتع اللبنانيين بالمونديال، وفاتهم انهم باتوا كـ"جحا" الذي دفع ثمن ما سرّبه. لم يدعوا احدا الا وادخلوه في اللعبة، من امير قطر مرورا برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء السابق والحالي والوزراء (عدد منهم) وانتهاء بالمدراء والموظفين... وحده بائع الكعك السوري التقليدي لم يتدخل هذه المرة، وربما حسنا فعل لانه ادرك ان القضية خاسرة ولا اساس لها.


تحولنا الى "متسولين" بصريح العبارة، دون ان نفهم ما حصل، ومع ذلك لم نحصل على المشاهدة المجانية، وسط اسئلة كثيرة لن تجد من يحلها او يجيب عليها ومنها:


- هل صحيح ان امير قطر خلف بوعده؟ وهل يمكنه، في حال صحت الاخبار، ان يتحمل تبعات ذلك كأمير لبلد عربي؟


- هل صحيح ان رئيس الوزراء القطري لا يمكنه سوى الوعد بـ"المساعدة" على نيل لبنان حقوق بث المونديال، علما ان المحطة التي تملك حقوق البث الحصرية هي ملك للدولة القطرية؟


- هل صحيح انه لم يكن من الممكن لرئيس مجلس الوزراء السابق والحالي والوزراء اصحاب "الهمّة" الذين تصدروا الشاشات في الفترة الاخيرة للحديث عن المونديال، لم يجدوا التوليفة المناسبة لحل هذا الموضوع وفقا لما يرغب به اللبنانيون؟


- هل صحيح ان تلفزيون لبنان كان بمثابة "الزوج المخدوع"؟ ام انه شارك في التمثيلية عن علم او غير علم ليركب الموجة المونديالية؟


- هل صحيح ان شركة "سما" وهي بمثابة المسيّرة الحصرية لاعمال محطة bein sports في لبنان، ضغطت لمنع وصول المونديال مجانيا الى اللبنانيين كي لا تخسر ارباحها؟ علما انها اعطت معلومات غير كاملة عن قضية الـ100 دولار لمشاهدة المونديال كنا قد عرضنا تفاصيلها امس (اضغط هنالقراءة الخبر).

تبدو حبكة هذه القصة مماثلة من حيث الشكل لقصص "اغاتا كريستي" الا ان القاتل هذه المرة مجموعة من الاشخاص، والقتيل شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين صدقوا "جحا" الذي وعدهم بالذهب فحصلوا على التراب.


عيب ما حصل، ولكن شعار هؤلاء واحد ويحملونه معهم اينما حلوا وهم يعتدّون به معتبرين انه مديح لكننا نلفتهم الى انه في الواقع انتقاد اقرب الى الهجاء، وندعوهم الى قراءته من منظار اللبنانيين وليس من منظارهم والشعار يقول: "ان لم تستح، فافعل ما تشاء".