سامي جو النقاش

لطالما كانت لعبة كرة القدم لعبة الفقراء، ولطالما كانت متعة مشاهدة مباريات كرة القدم متاحة ومتوفرة للجميع، ولطالما انتظر جمهور كرة القدم منافسات كأس العالم التي تقام كل اربع سنوات ليشجع ويتابع سحر الكرة المستديرة.

لكن الامور تغيرت منذ ان تحولت كرة القدم الى تجارة صرف واصبحت مشاهدة كرة القدم والبطولات الكبيرة وبالتحديد كاس العالم حكرا على فئة معينة من الناس وشريحة ميسورة. ومع اقتراب موعد المونديال وهو العرس الكروي الاكبر في العالم، بات السؤال على كل شفة ولسان: كيف السبيل لمشاهدة مباريات مونديال البرازيل وما هي الكلفة الحقيقية؟

بدأت حمى كأس العالم تغلي في نفوس محبي هذه الرياضة في العالم اجمع، وفي لبنان لا يختلف الوضع، لكن الاختلاف هو في قدرة اللبنانيين على امكان مشاهدة احداث هذا المونديال لانه اذا استمرت الامور على ما هي عليه، فقد يجد قسما كبيرا من اللبنانيين انفسهم عاجزين عن متابعة احداث المونديال. وفي اخر نسختين من البطولة لم يعرف اللبنانيون اذا كانو سيستطيعون متابعة كاس العالم ام لا،في ظل الحقوق الحصرية التي يمنحتها الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" لقناة معينة، وهو امر يمنع اي قناة اخرى من بث المباريات في البلاد العربية. وبالطبع تتحكم القناة التي اشترت الحقوق بالمشاهد وتفرض عليه مبالغ مالية من اجل ان يستطيع متابعة اهم بطولة على الاطلاق.

مشاكل سابقة


بدأ الامر في العام 2006 عندما اشترت قناة art الحق الحصري لبث مباريات كأس العالم في شرق اسيا والخليج العربي وشمال افريقيا. وفرضت مبلغ مادي على كل من يريد مشاهدة البطولة. وبالطبع نالت تلك الخطوة استهجانا كبيرا ونقدا واسعا لكن قناة ال art تمسكت بموقفها ولم تتراجع عنه. فعاش اللبنانيون على اعصابهم خوفا من عدم تمكنهم من متابعة العرس الكروي الكبير، فتكفلت الدولة اللبنانية بالامر وحل الموضوع. ونفس الموضوع حصل في العام 2010 لكن هذه المرة مع قناة "الجزيرة الرياضية" القطرية التي بدأت في العام 2003 بشكل متواضع لتتحول تدريجيا الى امبراطورية رياضية بكل معنى الكلمة بعد ان اشترت معظم الحقوق الحصرية لاهم البطولات العالمية.

اذا ومع اقتراب صافرة بداية البطولة العالمية يعود هذا التساؤل بالبروز إلى الواجهة، مع صدور مؤشرات تُفيد بأنّ المسؤولين عن bein Sports- وهي التسمية الجديدة لشبكة الجزيرة الرياضية القطرية، صاحبة الحق الحصري ببث المونديال إلى المنطقة العربية- يسعون إلى حجب حقوق البث عن موزّعي إعادة الإشارة عبر الكابل، الذي يغذّي معظم المنازل بجميع المناطق اللبنانية، في إشارة القنوات الفضائية، وسيكتفون بإعطائه إلى شركات البثّ الأرضي المرمّز.

علماً بأنّ الذين يتمتعون بـ"نعمة" خدمة البث المرمز، لن يكون بمتناولهم بدورهم مشاهدة مباريات كأس العالم، بل إنّ أصحاب الحقوق الاساسيين سيطالبون تلك الشركات، ببدل قدره مئة دولار أميركي عن كل جهاز لاقط في أي منزل، وبذلك سيكون قسما كبيرا من اللبنانيين محروم من متابعة كأس العالم لهذا العام.


ولقطع الشك باليقين قمنا بالاتصال بأكثر من مسؤول عن الساتلايت في لبنان وكان السؤال الابرز: هل هناك حل في الافق من اجل تامين بث مباريات كاس العالم الى المنازل؟ والجواب كان موحدا: حتى الساعة ليس هناك اي مؤشر يدل على اننا سنستطيع تأمين بث المباريات والامر منوط بالقناة المعنية، والامر هذا العام صعب جدا اذ انه اصبح شبه مؤكد لمشاهدة المباريات على كل عائلة في لبنان ان تشترك وتدفع مبلغا من المال للتتمتع بالمونديال.


شروط مشاهدة المونديال في لبنان


لا شك ان قنوات bein sports تقوم بعمل جبار وعمل احترافي على اعلى مستوى من اجل ان تقدم الى المشاهد العربي وجبة رياضية دسمة تتضمن اهم البطولات في مختلف الرياضات. ومما لا شك فيه ايضا ان قنوات bein sports ستكون حاضرة في قلب الحدث لتنقل فعاليات المونديال. لذا استفسرنا من مكاتب bein sports عن كافة التفاصيل المتعلقة بالاشتراك في القناة ومشاهدة المونديال.


اولا: على كل منزل ان يكون لديه صحن لاقط للاقمار الاصطناعية.


ثانيا: ريسيفر receiver خاص بقنوات ال bein sports لا يباع سوى في المركز المخصص للقناة في لبنان وهو موجود في كورنيش المزرعة. بمعنى آخر، لا يصلح اي ريسيفر آخر يملكه المواطن ليحل بديلا عن ريسيفر bein Sports.


ثالثا: البطاقة المخصصة لفك القنوات المشفرة الخاصة بالقناة. وتتضمن هذه البطاقة باقة كأس العالم التي ستبث بتقنية عالية الجودة HD وايضا تتضمن البطاقة اشتراكا لمدة سنة لمتابعة كل البطولات والمباريات التي تملك القناة حقوق بثها لعام كامل.


وسنعدد القنوات التي تحصل عليها عند شراء البطاقة: bein sports 1 -2-3-4-5-6-7-8-11-12 اما القنوات التي تبت بتقنية عالية الجودة فهي: bein sports hd1-hd2-hd3-hd4-hd5-hd6-hd7-hd8-hd9-hd10-hd11-hd12-hd13-hd14-hd15 . وستخصص القناة اربع محطات ستكون فقط مختصة ببث المباريات وكل ما يتعلق ببطولة كاس العالم.


ولكن القناة "رأفت" باللبنانيين وقررت تقديم حسم 20% (تروج على انه ينتهي في 30 من نيسان الحالي)، ليدفع اللبناني عندها فقط مبلغ 300 دولار اميركي. اي انه، وفق عملية حسابية، فإن السعر الاساسي يبلغ 375 دولارا (ليصبح 300 دولارا بعد حسم 20% من قيمته).


وزير الاعلام: الوزارة ستتحرك


في العام 2010، تدخلت وزارة الاعلام وطرحت على مجلس الوزراء في حينه حلا قضى بدفع قيمة مالية مهمة (تناهز الـ300 الف دولار) الى "الجزيرة الرياضية" مقابل اعفاء اللبنانيين من اي رسوم اضافية لمشاهدة المونديال، وهو ما حصل بالفعل.


واليوم، يؤكد وزير الاعلام الحالي رمزي جريج في اتصال مع "السبورت"، على ان الوزارة تدرس الموضوع، وستقوم بكل الجهود من اجل ضمان عدم دفع اللبنانيين هذه الكلفة العالية لمشاهدة المونديال. وشدد على ان كل الحلول ستدرس ومنها بطبيعة الحال التفاوض مع شركة bein Sports، وحتى طرح الموضوع على مجلس الوزراء اذا اقتضى الامر. وقال: " سنقوم بكل ما يلزم من اجل تمكين المشاهد اللبناني من متابعة المونديال دون ان يدفع 375 او 300 دولار اميركي، لانها كلفة عالية على المواطن".


... ووزارة الاتصالات ايضا


في المقابل، كان لوزارة الاتصالات ايضا رايها بالموضوع، وبعد اتصال بمكتب الوزير بطرس حرب، ولدى سؤالنا عما اذا كان هناك اي حل ممكن ايجاده ليتمكن المواطن العادي من متابعة المونديال عبر موزعي الكابلات، فأتى الجواب انه حتى الان الامور متوقفة على القناة التي تملك الحق الحصري ولا يوجد اي حل يلوح بالافق. لكن "سنقوم باقصى جهد من اجل ايجاد حل ليتمكن الجميع من متابعة فعاليات كاس العالم."

خيار المقاهي والمطاعم والفنادق


واذا ما اراد اللبناني البحث عن حل آخر، فعليه اللجوء الى المقاهي والمطاعم والفنادق التي ستدفع بدورها مبالغ مالية معينة لـbein Sports لبث مباريات كأس العالم.
وبعد تعليق الكثير من اصحاب المطاعم والمقاهي على سؤالنا بالقول ان الامور ما زالت تخضع للمفاوضات، تحدث مدير مقهى "البروس كافيه" محمد اليمني عن تفاصيل الشروط التي بموجبها يقوم بعرض مباريات كاس العالم على شاشاته.


اليمني لم يفصح عن قيمة العقد مع ال bein sports وقال : المبلغ كبير جدا ونحن نعرض المباريات بشكل قانوني لان كل مخالف تترتب عليه تبعات قانونية لذا نقوم بما يلزم لبث المباريات بشكل شرعي على كثر من 8 شاشات عملاقة.


وتابع اليمني: نحن نأخذ فقط خمسة دولارات اميركية عن كل فرد فقط لتغطية المصاريف الكبيرة التي نتكبدها في سبيل تأمين افضل تغطية لكل من يريدوا ان يتابعوا كأس العالم. ووفق معلوماتي فإنه حتى الان لم يقم اي مقهى بالاشتراك بشكل قانوني في قنوات ال bein sport لكن من المرجح في قادم الايام ان ترتفع نسبة المشاركين.

بعد هذه الوقائع، ومع تحول لعبة الفقراء والمحرومين الى "طبق اساسي" للاغنياء، يبقى السؤال عن كيفية تدبير اللبناني هذا المبلغ ليشاهد مباريات رياضية قد يتجاسر البعض ويقول انها ليست من الكماليات بعد اليوم، وهو محق. ولا يبقى سوى تدخل الدولة لايجاد حل باسرع وقت ممكن، خصوصا وان مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية تكون قد بانت نتيجتها فإما انتخاب رئيس او فراغ (طويل او قصير)، فتتحرك الحكومة عندها وتضع يدها على الموضوع كما فعلت عام 2010، فتعوض ولو بجزء بسيط عن تقصير كبير يعاني منه اللبنانيون.