يختلف الكثيرون حول تقييم الكلام الصادر عن النجم الارجنتيني ليونيل ميسي بعد خسارة منتخب بلاده امام تشيلي في نهائي كوبا اميركا بركلات الترجيح. من يكره اللاعب اعتبر اعلان اعتزاله دولياً بمثابة "هدية ثمينة"، ومن يحب اللاعب وقع عليه الخبر كوقع الصاعقة التي لم يتعاف منها بعد.


ولكن، ومع وضع المشاعر جانباً، لا يمكن لمن يحب بالفعل كرة القدم الا يجد متعة في رؤية ميسي على ارض الملعب في كل المناسبات وخصوصاً في فعاليات كأس العالم، ان تألق ام لا او ساهم في فوز الارجنتين ام لا. متعة كرة القدم تتخطى اللاعب لتصل الى الموهبة والقدرة والفن، وهي صفات لا يمكن انكارها على اللاعب الارجنتيني.


قال سيرجيو روميرو: "لا يمكن ان اتخيل ​منتخب الارجنتين​ دون ميسي"، واوضح ان ميسي انما قال ما قاله لانه مأخوذ بحمى الانفعال المتأتي من خسارة فرصة مهمة للفوز بلقب دولي. ليس روميرو وحده من لا يتخيل الارجنتين دون ميسي، فالكثيرون لا يتخيلون ذلك ايضاً، وربما ميسي نفسه يشعر هذا الشعور، ولكن يبدو ان الكيل طفح.


ردة فعل ميسي اظهرت انه انسان قبل ان يكون لاعب كرة قدم، وان قدرته على التحمل محدودة ككل الناس وقد وصل الى حده ولم يعد يستطيع ان يحتمل. لا شك ان ميسي بات محرجاً امام الارجنتينيين الذين يرون انجازاته تتوالى دون توقف مع برشلونة فيما تصطدم بنقطة توقف دائمة مع المنتخب، وهذا بذاته مصدر قلق وازعاج بالنسبة اليه والى باقي زملائه الذين يعانون من الامر نفسه.


ولا شك ان العلاقة بين ميسي والاتحاد الارجنتيني ليست سمنا وعسلاً، وهو ما خرج الى العلن بعد ان كتب ميسي ما كتبه عن الاتحاد ثم خفف من وطأته. واذا كان ميسي بالفعل قد اتخذ قراره مأخوذاً بعاطفته، فهذا يعني انه يحمل اعباء على كتفيه تفوق طاقته: عبء الانجاز داخل الملعب، وعبء ارضاء المشجعين، وعبء تحمل الاخطاء التي ترتكب بحقه، وعبء الخلاف مع الاتحاد،... وقرر بالتالي ان يستبق ردة الفعل بفعل اقوى يعيد الجميع الى موضع التفكير والتريث.


ليس سهلاً على المرء الاعتزال وهو في قمة عطائه، وفي عمر لا يزال يسمح له بتقديم المزيد، ولكنه ليس من السهل ايضاً ان يتحمل المرء وحيداً عبء منتخب بكل نجومه وشعبيته وسمعته.


اما اذا عاد ميسي عن اعتزاله، فهو سيترافق طبعاً مع عودة رفاقه ايضاً عن الاعتزال، وستكون الامور اوضح لجهة ان ما قاموا به اتى لاستباق النقمة عليهم، ولكن صدقيتهم ومواقفهم ستكون موضع شك دائم، وسيظهر انهم يخضعون للضغوط، وسيفشلون بالتالي في ارسال رسالة واضحة مفادها انه لا يجب الضغط عليهم لانهم سيرحلون.


اما المنتخب الارجنتيني فهو الخاسر الاكبر في حال الاعتزال الجماعي، لان تصفيات كأس العالم لا تزال في عزها، وهناك نحو 12 مباراة ستقام من اجل تحديد هوية المتأهلين الى المونديال. فهل تتحمل الارجنتين هزة من هذا النوع في خضم التصفيات؟ وهل سيقبل الارجنتينيون امكان عدم التأهل الى كأس العالم في حال فشل الجيل الناشىء من حجز بطاقة التأهل؟


في مطلق الاحوال، رسالة ميسي كانت اساسية: وصلت الى نقطة اللاعودة، فخخفوا الضغط عني والا عليكم تخيل المنتخب دون ميسي... ورفاقه.