هي إحدى الألعاب الفردية المميزة في لبنان رغم عدم شهرتها، وهي فعالة كبطولات ونشاطات على مدار السنة ويبرز فيها لاعبون كثر استطاعوا تحقيق العديد من الإنجازات للبنان سواء عربيا، أسيويا ودوليا، إنها رياضة الرماية.


تنقسم الرماية إلى قسمين، قسم السلاح الحربي وهو لديه أندية خاصة، وقسم الرماية على الأطباق وهي لديها أيضا أندية خاصة بها. وللرماية اتحاد خاص بها يتألف من تسعة أعضاء ويرأسه بيار جلخ، وهو يضم أحد عشر ناديا، يحق لعشر منها التصويت فيما على النادي الحادي عشر الإنتظار حتى مرور سنة على انتسابه من أجل التصويت لكنه يحضر الجمعية العمومية بشكل عادي. عدد اللاعبين الإتحاديين تقريبا هو حوالي مئة وخمسين لاعبا في الفئتين: رمي الأطباق والمسدس.
وستكون هذه اللعبة ممثلة للبنان في أولمبياد ريو دي جانيرو في آب المقبل عبر البطلة راي باسيل والتي يؤمل أن تحقق نتائج إيجابية نظرا لمستواها العالي في هذه الرياضة.


بيار جلخ

بداية، كان لا بد من التوجه الى رئيس الاتحاد بيار جلخ وسؤاله عن نظرته الخاصة لواقع رياضة الرماية في لبنان. اعتبر جلخ ان الرماية رياضة واعدة حققت نتائج مميزة على الصعيد الخارجي رغم كل الإمكانيات المتواضعة لبلد مثل لبنان. فمثلا السنة الماضية حققنا ثلاث ميداليات ذهبية، فضية وبرونزية في بطولة آسيا وهذا إنجاز رائع إضافة إلى ميداليات عديدة في بطولات الإتحاد الدولي كفضية وليد نجار في مسابقة الكويت الدولية وذهبية راي باسيل في المغرب، كما المشاركة في دورة قبرص الدولية حيث حققت باسيل نفسها المركز السادس عند السيدات، دون أن ننسى آلان موسى الذي نافس بقوة في نفس البطولة وكان خامسا خلف أهم الرامين في العالم وبفارق بسيط جدا عنهم. كل ما ذكرته تحقق رغم عدم وجود دعم من الجهات الراعية لهذا القطاع، من هنا أقول بأنها رياضة واعدة لا بل مميزة على صعيد الرياضات اللبنانية.


وشرح أن الإتحاد اللبناني للرماية يقوم بنشاطات عديدة على مدار السنة، فهناك برنامج سنوي يتضمن حوالي خمسا وثلاثين مباراة اتحادية لفئة الأطباق وخمسا وعشرين مباراة لفئة المسدس أي ما مجموعه حوالي ستين مباراة سنويا تقريبا بمعدل مباراة كل أسبوع. واضاف: أستطيع القول ان الإتحاد نشيط للغاية وهذه المباريات تعطي جهوزية تامة للرماة من أجل المشاركة في الإستحقاقات الخارجية. كما يقيم الإتحاد حفلا سنويا في شهر كانون الأول من كل عام يكرم فيه أبطاله، وفي السنة الماضية، وزعنا واحدا وستين ميدالية على أبطال لبنان في الرماية، وواحد وثمانين شهادة إضافة إلى تسعين ألف طبقة خرطوش كجوائز للرماة، رغم كل الإمكانيات الضعيفة للإتحاد.


في هذا الإطار، وعن الدعم المادي للإتحاد يقول جلخ بأن وزارة الشباب والرياصة أعطت الإتحاد مساعدة عن السنوات الثلاث الماضية قدرت بخمسين مليون ليرة لبنانية، لكنها بالطبع لا شيئ يذكر من ميزانية الإتحاد ومصاريفه الكثيرة، فأي سفر للمشاركة الخارجية يكلفنا حوالي خمسة وثلاثين مليون ليرة علما أننا نسافر أكثر من ثلاث مرات سنويا، وأنا بكل صراحة وضعت من جيبي الخاص الكثير من الأموال بدافع حبي لهذ اللعبة.


ويحصل الإتحاد على بعض المساعدات من الإتحاد الاسيوي والإتحاد العربي كما من بعض الدول العربية الشقيقة، اضافة الى اشتراكات من بعض الرماة وبالتالي نستطيع تأمين جزء من الميزانية السنوية والباقي يكون بمجهود شخصي. ولا يخفي أن الإتحاد يسعى دائما لجلب رعاة للعبة لكنها ليست جماهيرية، ليس فقط في لبنان بل في معظم بلدان العالم لذلك الراعي لا يتحمس لمثل هكذا لعبة للأسف. وتوجه بالشكر لبعض معامل الخرطوش على دعمها للإتحاد وتأمنيها لحوالي ثلاثين بالمئة من دوائز الإتحاد السنوية وهذا أمر يحسب لها في سبيل دعمها لهذ الرياضة.


وردا على سؤال حول أبرز المشاكل التي تواجه اللعبة غير الشق المادي بالتأكيد، رد جلخ: لعبة الرماية هي لعبة صعبة، حيث يستعمل فيها السلاح وخاصة فئة المسدس الخاص وليس الحربي، ونحن نجد صعوبة في استقدام مثل هكذا مسدسات إلى لبنان ودائما ما نشارك في البطولات الخارجية في هذه الفئة ونطلق بمسدس من نوعية معينة ونكون متدربين في لبنان على نوعية أخرى وهذا بالطبع يؤثر على مستوانا الفني دون أن ننسى بعض المشاكل اللوجستية المتعلقة بإخراج السلاح من مطار بيروت الذي يأتينا كمساعدات أو عندما نشتريه من الخارج، فتأخذ الامور بعض الوقت لكني أريد أن أشكر وزير الداخلية الذي يسهل االكثير من معاملاتنا في هذا الشأن فنختصر بعض الوقت.


ويؤكد أنه في حال تأمين الدعم المادي للعبة كما هو مطلوب فلبنان قادر على الوصول لأماكن بعيدة لكننا بحاجة إلى تفرغ رماتنا فنحن بكل إمكانياتنا المتواضعة نقوم بنتائج مميزة فكيف لو كان الدعم كما يجب ؟ كل رماتنا ينافسون في الخارج رماة محترفين يتدربون يوميا، وأنا أقترح على الدولة أن توظف الرماة الواعدين في وظائفها الامنية خصوصا الجيش والدرك حيث يستطيع الرامي تطوير موهبته ويصبح كأنه متفرغ للعبة وهذا ما يحصل في الخارج خاصة في الدول المحترفة.


جلخ كشف أن لبنان هو مضرب المثل في الخارج إذ دائما ما يبدي الجميع اعجابهم في كيفية تحقيق الرماة اللبنانيين لنتائج مميزة رغم كل الإمكانيات المتواضعة. كما تمنى على المسؤولين الرياضيين أن يساعدوا الإتحاد أكثر فأكثر وأن يتم وضع خطة تطويرية لهذه اللعبة من أجل النهوض بها أكثر خاصة أنها لعبة فردية وبالتالي نستطيع بمبالغ مالية متوسط القيام بالكثير والكثير من العمل. كما تمنى على وسائل الإعلام الإهتمام أكثر باللعبة وتغطية نشاطاتها من أجل جذب جماهير اكثر للعبة ما سيؤدي بالطبع إلى تأثير إيجابي على اللعبة.

سليم مسعود


يعتبر نادي الصخور للرماية من الأندية العريقية في هذه اللعبة ولديه حقل للرماية بمواصفات دولية كما خرج العديد من الابطال في هذه اللعبة، ويشير رئيسه سليم مسعود الى أن النادي يضم حقلين دوليين للرماية وهو منتسب للإتحاد اللبناني، ويضم حوالي ثلاثين راميا ورامية، وهدفه الأول تخريج نشئ جديد يحب اللعبة، من هنا التركيز على الشبان الصغار من أجل اكتشاف الموهوبين منهم والتركيز عليهم أكثر من أجل تطوير مستواهم كي يصبحوا أبطالا في اللعبة في المستقبل.


ورأى أن الإقبال على اللعبة ليس بالمستوى المطلوب خاصة أنها مكلفة ماديا وليس باستطاعة الجميع ممارستها، فاللاعب عليه شراء السلاح والخرطوش كما دفع اشتراكات للنادي وإلى ما هنالك من مصاريف، هذه الأمور لا تجعل من أي شخص يتجه لهكذا رياضة وفي بلد مثل لبنان حيث الوضع الإقتصادي صعب، سيكون من النادر وجود إقبال كثيف.


وابدى عتبه على الإعلام الرياضي الذي لا يقوم بدوره من ناحية الإهتمام باللعبة ومتابعة نشاطاتها وشؤونها وهمومها، ما أدى إلى عدم معرفة معظم جماهير الرياضة في لبنان بهذه اللعبة ما أثر ويؤثر سلبا عليها.
واعتبر أن اتحاد الرماية يقوم بما يستطيع تجاه اللعبة وفق الإمكانيات المتواضعة المتاحة له لكن للأسف الدولة لا تهتم باللعبة حتى عند تحقيق الإنجازات، فهي لم تقدم أي شيئ للأبطال الذين رفعوا اسم لبنان عاليا فلم يقدم لهم الدعم اللازم ولم يفتح لهم صالون الشرف أو يسلط الضوء على إنجازاتهم كما يكفي. فكل إنجاز حققه أي رام أو رامية هو بمجهود شخصي ومن جيبهم الخاص وبدعم من أنديتهم.

ايلي بجاني


يمتلك لبنان عددا من الرماة الموهوبين والذين حققوا نتائج مميزة سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي، من هؤلاء الرماة يبرز الرامي إيلي بجاني بطل العرب الذي قال ان رياضة الرماية في لبنان واقعها ليس بغريب عن واقع بقية الرياضات. فالشح والتقهقر هما السائدان، والاتكال هو فقط على المجهود الفردي للرامي وهذا غير مقبول ونراه جليا اثناء تمثيلنا للبنان في المشاركات الخارجية. هذا الوضع المذري انعكس نتائج متواضعة في الخارج ولولا العزيمة القوية لبعض الرماة وشغفهم لتحقيق بعض من احلامهم، لكان لبنان يصنف من أسوأ الدول في هذه اللعبة.


وعن كيفية التعرف على هذه الرياضة، يقول إيلي: كنت من صغري مولعا بالصيد البري وكل الامور المتعلقة باسلحة الخرطوش. اما الرماية الرياضية على الاطباق فتعرفت عليها صدفة سنة 1993 في نادي في الضيعة المجاورة والذي كان يشغله السيد سمير عنيسي. اعجبتني الفكرة حينها وكنت ما زلت طالبا، وكنت موهوبا فعلا و مندفعا ما جعلني اخصص وقتا ثمينا كي اطور نفسي وادائي في هذه الرياضة التي تتطلب تكاليف مادية كبيرة وخاصة بالنسبة لطالب في عمري آنذاك إذ عليك تأمين ثمن السلاح والذخيرة والاطباق وبدل الاشتراك. وتابع: اندفاعي الكبير جعلني اثابر واضحي واتحمل التكاليف الباهظة، فحسنت من أدائي التقني وتمرست ذهنيا وحصلت على شهادة مدرب من الاتحاد الدولي.


كنت اتالق مرارا في مشاركاتي المحلية، شعور السعادة كان يغمرني وكنت اتامل دائما أن أحظى بدعم من أي جهة محلية لكن للاسف هذا لم يحصل. احرزت بطولة لبنان لسنة 2012 وتسنى لي تمثيل لبنان في بطولة العرب سنة 2013 واحرزت حينها الميدالية الذهبية ولقب بطل العرب، لكن طلب مكافأتي من الوزارة وضع في ادراج الوزارة وأصبح من الارشيف. كما شاركت في بطولة العالم ال 52 في غرانادا في اسبانيا وجاء ترتيبي الثاني عشر من أصل مئة وستين مشاركا مع إصابة 122 طبقا من اصل 125 وهو رقم قياسي في هكذا مشاركة. كما العادة لم الق تشجيعا من المسؤولين وكأني في ارض مهجورة غير أني واجهت هذه المأساة بصبر وبضحكة على أمل أن تتغير الأمور. رغم كل ذلك لم أيأس، هذه الرياضة اصبحت جزءا من حياتي واذا لم تجدني ارمي تراني ادرب، ايمانا مني لنقل خبرتي للاجيال الجديدة. وطالما هذا الشغف موجود أنا على أهب الإستعداد للمشاركة في أي دورة سواء محلية أو خارجية.


الدعم المادي والمعنوي حسب بجاني غير كاف لتحضير الفرق مع غياب أي استراتيجية مستقبلية للتطوير، كما ان الفرق المشاركة في المحافل الخارجية يتم اختيارهم من خلال نتائج بطولة السنة التي مضت او بعد مرور ثلاث مراحل من بطولة لبنان وهذا للحقيقة أمر غير جيد وانا افضل ان تقام تصفيات خاصة لتحديد المشاركين في الخارج.


ويقول: أما على صعيد الاندية نجد غيابا تاما للدولة فالاتحاد قائم على الاندية الخاصة وهذا ليس كافيا لوحده، كما بكل صراحة تشوبه المحسوبيات كما أني أطالب بتجهيز ناد وطني لرياضة الرماية في لبنان، فدول الجوار سبقتنا باشواط بعد ان كان لبنان السباق بنقل هذه الرياضة إليهم. وأنا أؤكد أنه لو وجد ناد وطني يفي بمتطلبات الاتحاد الدولي من حيث عدد الملاعب اي على الاقل 4 في النادي الواحد لكان لبنان استطاع ان يضع نفسه على روزنامة بطولات الاتحاد الدولي بشكل منتظم وبنتائج أكثر من رائعة دون أن ننسى وجوب تعيين مدرب دائم للمنتخب.


ودعا الى الاهتمام بالناشئين فهم الأساس لمستقبل هذه الرياضة وهم الخزان الذي يضمن استمرارها، وتحضيرهم يجب ان يعطى اهمية كبيرة ويجب ان يحدد كل مبتدىء في هذه اللعبة الهدف الذي يريد فإذا هدفه التسلية، فما من مشكلة لكن اذا اراد ان ينافس و ينجز البطولات والالقاب فعليه ان يعرف بان درب النجومية جميل لكنه شاق وفيه الكثير من خيبات الامل، لذلك عليه التحلي بالجرأة والصبر و طول البال وعدم حرق المراحل، ويجب ان يكون على علم بالجهد والمصروف المادي الذي ينتظره كي لا يصاب بخيبة بعد فترة، كما عليه ان يدرك ان رياضة الرماية هي رياضة تركيز وصفاء ذهني وتكرار. من هنا ضرورة متابعة الناشىء مع مدرب محترف يسدد خطاه ويختصر المراحل وكم نحتاج الى مدربين خبراء يعلمون ممارسي هذه اللعبة على الانضباط والاخلاق، فالرماية هي رياضة الاخلاق قبل كل شيئ.واعتبر بجاني أن الادارة الجيدة، التمويل، تحديد الاهداف، المشاركات وخطة مستقبلية واضحة وواقعية ومنطقية مع فريق عمل متخصص وقادر على العطاء مع مدرب قدير يشرف ويقيم التصفيات ويسدد خطى الرماة،ستوصل الرامي و الرماية في لبنان الى اعلى المستويات.


بجاني ختم حديثه بأن الرماية رياضة احببتها واخترتها من تلقاء نفسي وانا فخور بنفسي وسعيد لانني تعبت والله وفقني بالنجاح وحققت حلما اشكر الله عليه. كما اديت واجبي تجاه وطني لبنان فمثلته خير تمثيل ورفعت العلم عاليا. لكن الخيبة اتت من القيمين على اللعبة ومن الوزارة، فحوربت بالمباشر وغير المباشر. وبعكس ما يكافأ زملاؤنا الرياضيون في الدول العربية المجاورة بالمكافأة والدعم المعنوي والمادي. وأنا أؤكد أنه بعد الان لا اسعى لا لمجد ولا لشهرة، كل ما اتمناه ان يصبح لدينا ادارة رياضية عادلة ومنصفة تقف بجانب الرياضي الناجح لكي يكمل مسيرته بالتفوق والكرامة لا بتحطيم معنوياته. وطبعا اريد ان اشكر جميع اصدقائي الرماة متمنيا لهم التوفيق وكل من وقف بجانبي من اهلي ورئيس نادي الصخور الاستاذ سليم مسعود والسيد نزيه ابي سمعان رئيس مؤسسة "جوسونز"، ولجميع المقصرين أقول سامحكم الله.


كما في نهاية كل تحقيق عن الرياضات اللبنانية، نقول بأنه لا المواهب ولا العزيمة والإرادة تنقصنا، إنما ما ينقصنا هو دعم مادي وخطة استراتيجية واضحة المعالم، وفي الرماية، إن تحققت هذه الشروط سنرى رماتنا يحققون نتائج بارزة عالميا وهم على أي حال وبمجهود كبير ودعم قليل استطاعوا تحقيق الكثير والكثير.

احمد علاء الدين