سامي جو النقاش

هي أم الألعاب و أقدمها على الإطلاق، قلب الألعاب الأولمبية النابض... تضاهي بشهرتها كرة القدم و كرة السلة ويرى فيها الكثيرون أنها الاجمل. سرعة، رشاقة، ليونة، قوة، مهارة.... إنها ألعاب القوى. الألعاب التي يتسمر الملايين لمشاهدة منافساتها دائما و يتبارى فيها المنافسون على تحطيم أرقام قياسية كل عام، أرقام خارقة لا يحققها إلا أشخاص خارقون.


في لبنان، لألعاب القوى تاريخ طويل و عريق إذ تعتبر من أقدم الالعاب التي مارسها اللبنانيون قبل كرة القدم و قبل كرة السلة حتى ! تاريخ بدأت كتابته في عام 1928 حيث شكل اتحاد محلي ضم ألعاب الأثقال و الملاكمة والمصارعة. هذا العام شهد تنظيم الأولمبياد السوري اللبناني المشترك حيث أجريت المباريات على ملاعب الجامعة الأميركية في بيروت.


تاريخ مشرف


في عام 1953 بدأت المشاركات اللبنانية الخارجية في ألعاب القوى حيث حصد " خليل الحاج " الميدالية الذهبية الاولى للبنان في البطولة العربية التي أقيمت آنذاك في الإسكندرية – مصر. انجازات تتابعت في عام 1961 عبر "هاني لطوف " الذي أحرز ميدالية ذهبية في رمي الرمح أيضا في البطولة العربية التي احتضنتها المغرب، تبعتها فضية في نفس الدورة في رمي المطرقة.


على الصعيد المحلي، يسجل التاريخ أن " سيف الدين عيتاني " هو أول رامي رمح لبناني لكن الفائز الأول عن هذه المسابقة على الصعيد المحلي كان " هاني لطوف " الذي سجل 65.08 م . أبطال كثر كانوا من أوائل رافعي راية هذه اللعبة محليا أبرزهم " محمد علايلي " و " نقولا سمعان " .


لكن الإنطلاقة الفعلية لألعاب القوى في لبنان كانت في 4-5-1965، هذا اليوم الذي شهد تأسيس الإتحاد اللبناني لألعاب القوى و ضمت لجنته الأساسية آنذاك : عبد الودود رمضان – جوزف حردان – مايك أوكنيان – بيزانت كوريكيان – سامي اللاذقي – ابكار كورجنتان و فارتكس بالبان. و سجل أول تمثيل لدى اللجنة الأولمبية في السنة التي يليها عبر " ألفرد دبس " . و انضوى تحت لواء الإتحاد آنذاك عشرة أندية هي : الأنترانيك – هومنتمن – سيفان بيروت – المعني صيدا – ألعاب القوى – عمر الذهبي – الإخوة المريميون – الرياضي – الوفاء و الأشبال.


خطوة تأسيس إتحاد ألعاب القوى ساهمت بتنظيم أطر اللعبة ما أدى في وقت لاحق إلى تسجيل أول مشاركة لبنانية خارجية عام 1970 في قبرص عبر " محمد ناصر " و " كلير رزق " تلتها مشاركات عديدة أبرزها في أمستردام ولندن.


النقطة الأهم في تاريخ ألعاب القوى كانت المشاركة اللبنانية الأولى في الأولمبياد عام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية عبر " قاسم حمزة " و "اردا كاليكيان ".
و جاءت الحرب اللبنانية.... حرب قضت على الأخضر و اليابس و عاثت في الارض فسادا، دمرت كل شيىء و لم تنج الرياضة اللبنانية منها. ألعاب القوى دفعت جزءا من ثمن الحرب الباهظ إذ قلت المسابقات المحلية و اقتصرت على مسابقات بين المدارس كما انحسرت المشاركات الخارجية.


تراجع مبرر شهدته ألعاب القوى خلال فترة الحرب لكن السؤال الذي يطرح نفسه : بعد انتهاء الحرب ماذا حلّ بألعاب القوى ؟؟؟
سؤال جوابه حاضر و لا يحتاج لتفكير عميق ! فألعاب القوى ككل الرياضات في لبنان عانت و تعاني من إهمال واضح من قبل الدولة و المسؤولين الرياضيين فيها. و الأسباب معروفة و يعلمها الجميع.
و قصة الإهمال و التقصير و التخطيط العشوائي هي من الثوابت اللبنانية! حتى عندما استضاف لبنان دورة الألعاب العربية عام 1997، كانت النتائج اللبنانية خجولة و لم تكن أبدا على مستوى الطموحات.

جان كلود رباط... بارقة امل


النتائج المتواضعة خرق سكونها بزوغ نجم لبناني متألق في ألعاب القوى. فمن منا لا يعرف جان كلود رباط ؟
إنه بلا شك الإسم اللبناني الأشهر في عالم ألعاب القوى و أكثر من حقق أرقاما قياسية و إنجازات للبنان. وإنجازات جان كلود رباط أكثر من أن تعدد فيكفي أنه أول من حقق ميدالية للبنان من مختلف المعادن في ألعاب القوى في دورة ألعاب أسيوية حيث فعل ذلك في الدورة الأسيوية التي أقيمت في قطر عام 2006. و مما لا شك فيه أن رباط و من دون أي منازع هو أفضل لاعب عربي في الوثب الثلاثي بعدما اجتاز عتبة 2.27 م في لقاء بوخارست عام 2004 وحامل الذهبية العربية إضافة إلى أنه بطل العرب في أربع دورات متتالية بالإضافة إلى مشاركته في بطولة العالم لألعاب القوى ( هلسنكي 2005 ) و أولمبياد أثينا 2004 و بكين 2008.


إلتقينا جان كلود رباط و سألناه عن أهم المشاكل التي عانى منها في بداية مسيرته، فأجاب أن أم المشاكل كانت نقص الخبرة الإدارية لدى الإتحاد المسؤول عن اللعبة إضافة إلى الميزانية الفقيرة المخصصة من الدولة اللبنانية لدعم هذه اللعبة مقارنة بالميزانيات الضخمة التي ترصدها الدول الأخرى لدعم منتخاباتها الوطنية سواء في البطولات القارية أو المشاركات الاولمبية.

ويرى رباط أن الحضور الخجول للبنان في الخارج مردّه لاسباب متعددة لكن أهمها هو الهيكلية الخاطئة المعتمدة من قبل الإتحاد تجاه المنتخب الوطني بدءا من الإدارة وصولا إلى المدربين و الأجهزة الفنية غير الكفوءة مرورا بالتخطيط غير السليم للمشاركات الخارجية.


رباط ذكر أنه اعتزل اللعب نهائيا في 20-1-2011 و يعمل حاليا كمدرب لألعاب القوى عسى أن تستفيد الأجيال الصاعدة من موهبته و خبرته الكبيرة في هذا المجال و يخرّج أبطالا جددا في عالم ألعاب القوى ليرفعوا اسم لبنان عاليا كما رفعه.

غريتا تسلكيان​... رونق الحضور النسائي الرياضي


و لا يظنن أحد أن العنصر النسائي كان غائبا عن ساحة الإنجازات فعندما تذكر كلمة " الركض " لا بد أن تقترن مع غريتا تسلكيان،التي تعتبر الأسرع في تاريخ العاب القوى اللبنانية بل إنها من الأسرع على الصعيد العربي ايضا وهي حطمت العديد من الأرقام وتملك في جعبتها الكثير من الأرقام القياسية. تخصص غريتا هو سباق ال 200 م التي تحمل رقمه القياسي عربيا ب 23.56 ثانية و هي تملك الكثير من الذهبيات على الصعيد العربي إضافة إلى فضية آسيا عام 2011 عن سباق 200 م.

غريتا التي أثبتت و بكل جدارة أن المرأة اللبنانية لا ينقصها شيئ للتألق في ميادين الرياضة و الوصول إلى العالمية ومعاكسة كل الظروف الصعبة التي تعانيها بشكل عام.


تشير غريتا الى أن رياضة الركض استهوتها منذ الصغر كونها تعتمد بالجزء الأكبر على المهارة الفردية و يسهل التركيز على النفس فيها خلافا لكثير من الرياضات الاخرى التي يعتبر فيها العمل الجماعي هو الشرط الاساسي للنجاح.

تعتبر غريتا أن الحضور الأنثوي خجول ليس في ألعاب القوى وحسب بل في الرياضة اللبنانية بشكل عام فهناك عدم قبول بشكل عام لممارسة المرأة للرياضة و الإعلام ساهم بشكل أو بآخر في تكريس هذه النظرة إضافة إلى أن ألعاب القوى هي ألعاب فردية و كثيرون لا يعيرونها أي اهتمام.


تصف غريتا طريقها " بالقاسي " كحال كل الرياضيين في لبنان و لا تريد الغوص في تفاصيل الدعم الرسمي أو
الإتحادي إذ تعتبر أن التكلم في هذا الامر لن يغير شيئا من الواقع المرير و لن يقدم أو يؤخر. و تعتبر أنها ضحت
كثيرا من اجل ان تصل إلى ما وصلت اليه، تضحيات "معنوية ومادية".
و لدى غريتا عتب كبير على الإعلام اللبناني إذ تدعوه للإهتمام اكثر و أن يزيد من تغطية العاب القوى و متابعة نتائجها الحالية و طلب روزنامة المسابقات المحلية من إتحاد ألعاب القوى و التواصل المباشر مع الإتحاد واللاعبين للإضاءة على جهدهم المبذول في سبيل تحقيق نتائج جيدة و مميزة ترفع اسم لبنان عاليا.


غريتا وجهت ايضا نصيحة للمرأة اللبنانية حيث دعتها و شجعتها على دخول المجال الرياضي في لبنان والإنخراط في اي لعبة كانت و خصوصا ألعاب القوى إذ أن الرياضة سترفع من حالتها المعنوية و تجعلها واثقة بنفسها اكثر...
إضافة إلى أن هدفا جديدا سيوجد في حياتها مختلف تماما عن عملها و عائلتها و أولادها، إنه هدف التألق و البروز والمنافسة و التحدي. كما نصحت تسلكيان المرأة اللبنانية أن تتمتع " بالانانية " في بعض الاحيان و تزيد من المجهود الشخصي المبذول كي تحصل على نتائج مرضية.


من جان كلود و غريتا ، هذان البطلان اللذان خرقا عتمة الرياضة اللبنانية و أناراها بإنجازات ما زال صداها حاضرا حتى يومنا هذا..... ما يدل على أن الرياضي اللبناني لا تنقصه الموهبة و لا الحافز بل إن ما ينقصه هو الدعم والرعاية و الإهتمام. و لو أردنا ان نتكلم عن أسباب تراجع نتائجنا على مستوى ألعاب القوى سنجد الاسباب متفرعة جدا، سنجدها قصة حزينة عن إهمال واضح و لا مبالاة صريحة، قصة تطول و تطول و تطول كقصص ألف ليلة و ليلة.


و لدى مسؤولي الرياضة في لبنان بشكل عام جملة شهيرة و هي أن " الرياضي اللبناني قوته تكمن في تحفيزه معنويا". صحيح، و هذا أمر جيد لكنه لا يعفي من أن هناك جانبا آخر مهما و هو الشق المادي و التقني، و هما يكملان بعضهما البعض فلا نجاح من دون عمل دؤوب و تخطيط مسبق و استراتيجية واضحة الابعاد و المعاني تخلق عشرات من جان كلود رباط و غريتا تسلكيان، ولكن يجب ادارة هذه الموهبة وايحجاد من يهتم بها و ينميها على أصول صحيحة و في بيئة رياضية صحيحة تهيئهم كي يكونوا منافسين و بقوة على أعلى المناصب . أمور معروفة لدى الجميع و رغم هذا لا أحد يعمل بها و كأن الأمور متروكة و هناك من لا يزعجه واقع هذه اللعبة.

نعمة الله بجاني​ يكشف عن الاسماء المرفوعة لتمثيل لبنان في الريو


و لأن الإتحاد هو العنصر الأهم في لعبة ألعاب القوى و المسؤول الأول عنه فهو أباها و راعيها و خاضنها و هو من يشرف على المسابقات، لا يمكننا أن نتحدث عن العاب القوى بدون معرفة وجهة نظره عن واقع ألعاب القوى فتوجهنا إلى أمين سر إتحاد ألعاب القوى وعو اتحاد غرب آسيا نعمة الله بجاني الذي رأى أن هناك الكثير من الإيجابيات في عالم ألعاب القوى اللبنانية أهمها امتلاك الكثير من اللاعبين مهارات فردية مميزة خصوصا لدى الفئة الناشئة التي تخولها المنافسة و بقوة على الصعيد العربي.


بجاني اعتبر أن السبب الرئيسي الذي يؤثر سلبا على تقدم لعبة ألعاب القوى في لبنان هو ضعف الإمكانيات المادية ويعطي مثلا أن موازنة العام الحالي تتطلب توافر 500 مليون ليرة لبنانية بينما المؤمّن فقط 50 مليون ليرة لبنانية كدعم من وزارة الشباب و الرياضة إضافة إلى مصادر أخرى لتأمين الميزانية أهمها المبلغ المادي الذي يحصل عليه الإتحاد جراء الإشراف على بيروت ماراتون و اشتراكات الأندية السنوية و المساعدة السنوية من الإتحاد الدولي لألعاب القوى ( حوالي 15000 $ ).


و مع اقتراب موعد الأولمبياد في ريو دي جانيرو عام 2016 سألنا السيد بجاني عن آخر التحضيرات اللبنانية فأجاب: بشكل عام إن اختيار اللاعبين المشاركين في الاولمبياد يبقى مجهولا حتى الشهور الأخيرة نظرا لاعتماده على نتائج دقيقة جدا لكن الإتحاد اللبناني رفع ثلاثة أسماء ضمن برنامج " التضامن الاولمبي " لأخذ الموافقة عليها وهي: نور الدين الحديد من نادي الجيش اللبناني عن فئة " المسافات القصيرة " ، كريستال صانع من نادي الشانفيل عن فئة " الوثب العالي و الوثب الثلاثي " و عزيزة سبيتي من نادي الجمهور عن فئة " الركض الطويل " .
بجاني يعترف بأن لا معسكرات تقام حاليا و لا تحضيرات جدية لأن كل هذا يتطلب ميزانية غير موجودة على الإطلاق. وعما ينقص لبنان للمنافسة على الصعيد العربي و الأسيوي يرى أمين سر الإتحاد أن الإحتراف هو الاساس و المانع من تطبيقه في لبنان هو المال، فإقامة مسابقات دولية و معسكرات و الإتيان بكادر إداري محترف و مدرب محترف وجعل اللاعب مرتاحا على كافة الصعد إن كان رياضيا أو حياتيا، كل هذا لا يمكن تطبيقه في ظل موازنة فقيرة.


بجاني اكد أن المستقبل هو في الناشئين لذلك ينظم الإتحاد سنويا بطولة لبنان للفئات العمرية ابتداء من عمر 10 سنوات، كما ينسق مع وزارة التربية و تحديدا الوحدة الرياضية المدرسية برئاسة " مازن قبيسي ". واضاف: يقوم الإتحاد المحلي بتوجيه من الإتحاد الدولي بزيارات إلى المدارس لتشجيع الصغار على ممارسة ألعاب القوى عبر توزيع كتيبات تشرح الالعاب و كيفية ممارستها.


وشدد بجاني على أن الميزانية العالية ضرورة ملحة جدا لتلبية احتياجات اللاعبين على كافة الصعد منها تأمين مدربين كفوئين قادرين على استخراج الأفضل من اللاعبين اللبنانيين، و الأهم حسب بجاني هو تأمين فريق عمل إداري و فني لإدارة اللعبة بطريقة صحيحة و متطورة و هذا ما لا تسمح به الإمكانات المادية المتوفرة حاليا.


لا شك أن ضعف الإمكانات المادية هو من الاسباب الأساسية في عدم جعل لبنان من البلدان الرائدة في عالم ألعاب القوى فالميزانية المصروفة من وزارة الشباب و الرياضة هي أقل بكثير من ما هو مطلوب و هذا طبعا يؤثر بشكل سلبي على تطور اللعبة و نموها. و لكن الأهم من موضوع توافر المال هو كيف يتم صرف المال المتوفر؟؟


في لبنان هناك نظرة عامة أن مسؤولية الإتحاد هي فقط تنظيم المسابقات المحلية و هذا أمر خاطئ فتنظيم المسابقات هو من اختصاص لجنة تسمى لجنة المسابقات أما الإتحاد فعمله هو الإشراف على المسابقات و واجباته الاساسية تكون في تطوير اللعبة و الإهتمام بالجيل الصاعد و تأمين ملاعب ووضع استراتيجية طويلة الأمد و كثير من الامور الاساسية للنهوض باللعبة.


إن واقع ألعاب القوى يعبر عن نفسه فهو واقع سيئ و هذا أمر لا يمكننا تجاهله لكن ما يمكننا فعله هو العمل على تطوير اللعبة و هنا لكل مسؤولياته. الجزء الأول يقع عاتقه على الوزارة و جزء على اللجنة الاولمبية و الجزء الاكبر على الإتحاد و هناك في مكان ما جزء على اللاعبين و جزء على الإعلام.

مشاكل وحلول
لا يمكن أن تتطور اللعبة في ظل غياب ملاعب تقام عليها تمارين وفقا للأصول و لا تطور سيحصل بغياب مضمار يحمل المواصفات الدولية. فاين ملاعب ألعاب القوى في لبنان ؟؟
أمر آخر بالغ الاهمية و هو عدم وجود الكوادر التدريبية المتمكنة التي تستطيع مجاراة التطور الحاصل في اللعبة فأين المدربون الاكفاء الذين تتعاقد معهم الأندية ؟ أين الخبراء الذين يدربون اللاعب على مستوى علمي و كيف يستطيع تنظيم قدراته الحركية، قوته العضلية، المرونة، التحمل الدوري التنفسي، استخدام تقنيات السرعة ناهيك عن الحفاظ على الرشاقة الدائمة.
لم يعد مقبولا في ظل هذا التطور الحاصل أن نتغاضى عن كل هذه الأمور و نعتبر ان " كم تمرينة بالاسبوع " تفي بالغرض.


كذلك علينا، ولضمان الحصول على أجواء مثالية في التدريب، إدخال التقنيات الحديثة التي طورت أمورا كثيرة في عالم ألعاب القوى، فأين نحن من التقنيات التي تساعد على تحديد الإحتياجات الفنية لكل لاعب سواء بدنيا أو فنيا والتي تحسن الأداء بشكل كبير.
إن مفتاح التقدم في مجال ألعاب القوى يقتضي بأن يصوغ الإتحاد المحلي بالتعاون مع أندية ألعاب القوى و الوزارة إضافة إلى اللجنة الاولمبية خطة تطويرية يتم فيها معالجة كافة الشوائب و الثغرات التي نقف عائقا أمام تقدم اللعبة.


خطة يكون حجر الزاوية فيها تأمين ميزانية محترمة تغطي كافة احتياجات ألعاب القوى خصوصا تلك المتعلقة بالأمور الفنية و هنا لا بد من إيجاد موارد مالية متعددة فالمثل الشعبي يقول " الرزق من باب واحد حزين " أي لا ينبغي الإعتماد فقط على الدعم الرسمي بل ينبغي على الإتحاد تسويق اللعبة و إيجاد مستثمرين و موارد جديدة للعبة تساهم في مسيرة التطور المرجوة. كذلك يجب دعم الاندية ماليا فالأندية هي حجر الأساس في اللعبة و هي من تتعب على لاعبيها و تأخذ في معظم الاوقات مسألة تحضير اللاعبين على عاتقها.
كما يجب أن تشمل هذه الخطة موضوع الناشئين و الفئات العمرية. فلا مستقبل بدون الإهتمام بهذا القطاع و لا شك أن الإتحاد يولي هذا الامر اهتماما لكن ينبغي الإقدام أكثر في هذا الموضوع.


كذلك على الإتحاد تحفيز اللاعبين المتفوقين عبر تقديم جوائز نقدية و عينية إلى الفائزين و ليس ميداليات و كؤوس فحسب ما يزيد من المنافسة و يدفع اللاعبين إلى التألق و محاولة الفوز دائما لما سيكون للفوز من تأثير إيجابي معنوي و مادي في حياتهم.
كما يجب الإهتمام بالمدربين لأنهم يستطيعون التأثير بشكل مباشر على اللاعبين و هم من يساهم برفع مستواهم لذلك يجب إقامة دورات تدريبية متطورة لرفع مستوى الكادر التدريبي في لبنان و توقيع اتفاقيات تعاون مع الإتحادات الوطنية الاخرى لتبادل المدربين و الخبرات التعليمية في هذا السياق ما سيترك بصمة إيجابية على اللعبة بشكل عام وكذلك يجب استقدام خبراء من الخارج لكي يدرسوا واقع العاب القوى عن قرب و يقيموا ماذا ينقص لبنان كي يتطور في هذا المجال ما سيجعلنا نعرف اكثر نقاط ضعفنا ما يدفعنا إلى العمل على معالجة هذه النقاط بطريقة احترافية و ليست هاوية على الطريقة اللبنانية.


كما يجب إبعاد لعبة ألعاب القوى عن التجاذبات السياسية الحاصلة في البلد و أن لا يدخل الإتحاد و الاندية في حسابات مناطقية أو انتخابية تقوض مسيرة اللعبة و تقودها أكثر و أكثر نحو الهاوية بل يجب أن تتعاون الأندية و الإتحاد سوية لإبقاء اللعبة خارج أي صراعات يمكن أن تدفع اللعبة ثمنها باهظا خصوصا أن اللعبة بواقعها الحالي لا تحتمل أي خضات أخرى إذ أن " يللي فيها مكفيها " .
و لا بد أن نذكر في سياق ما يمكن فعله لتطوير اللعبة من دور بارز و أساسي يستطيع الإعلام اللبناني فعله تجاه ألعاب القوى. فبداية يجب أن يتم نقل النشاطات التي يقوم بها الإتحاد و لكن بطريقة احترافية كما كرة السلة و كرة القدم ما سيدخل ألعاب القوى إلى قلب كل بيت لبناني. وهنا يجب إدخال الجماهير الى المسابقات عبر نشر روزنامة الاحداث الرياضية و لم لا الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام و لوحات الإعلانات الموجودة بكثرة على الطرقات اللبنانية.


و يبقى الهدف الأهم هو العمل على إيجاد قناة رياضية لبنانية ليس فقط لنقل الاحداث بل للوقوف عن قرب مع اللاعبين و نقل مشاكلهم و تضحياتهم و إنجازاتهم و دعهم معنويا و جماهيريا من أجل الوصول إلى اعلى المراتب في المشاركات الخارجية.


لكن الامر الهام و الاساسي و الرئيسي، يبقى في وضع الإستراتيجية الطويلة الامد و التخطيط الصحيح.
هل سالنا انفسنا لماذا دائما استعداداتنا متأخرة ؟ أيا كان الإستحقاق... عربيا، أسيويا أو دوليا.... كاس عالم أو أولمبياد... لا يحلو لنا الإستعداد إلا قبل شهرين و دائما تأتي النتائج كارثية و الأسوأ من هذا كله أنه عندم يتم السؤال عن سبب النتائج المتواضعة يحضر الجواب الشهير دائما: " لقد استعدينا بشكل متأخر " .
ألم نتعلم بعد من الدرس ؟ ألم نعلم بأن التحضير الجيد هو سبب النجاح ؟ الم يأن لنا أن نعلم بعد أن الإرتجالية في التحضير هي سبب الفشل الاول ؟؟


كي نتطور علينا أن نحضر مبكرا و أن نقيم المعسكرات و أن نضع أهدافا لنا لا أن نشارك فقط من باب الواجب.
إن ألعاب القوى في لبنان كحال كل الرياضات في لبنان تمتلك ما يكفي من المواهب التي تستطيع رفع اسم لبنان عاليا و ما على المسؤولين إلا الإهتمام بها جيدا فالهدف مما قلناه ليس الإنتقاد للإنتقاد بل الإنتقاد للتصحيح و للإضاءة على مكامن الخلل التي ينبغي العمل عليها و تصحيحها.
أن تكون مسؤولا رياضيا، لا يعني أن تحضر فقط لإلتقاط الصور او للسياحة مع البعثات الخارجية أو للظهور في الإعلام. أن تكون مسؤولا رياضيا يعني أن تعمل و تعمل و تعمل لإعلاء ما أنت مسؤول عنه. يعني أن تخطط وتسهر على تنفيذ ما خططت له. يعني ان تواكب التطور و التقدم و تحاول المنافسة. لكن هذه الامور لا تنطبق على معظم مسؤولينا الرياضيين للأسف.


لقد سئم اللبنانيون المشاركة لهدف المشاركة فقط و سئموا إخفاقات و سئموا تصاريح فارغة، و مطلبهم ليس بالامر الصعب. جل ما يطلبونه هو أن تكون لديهم استراتيجية عمل واضحة تقودهم لرؤية أبناء بلدهم من الرياضيين يعتلون منصات التتويج... هدفهم أن يسمعوا نشيد بلادهم يصدح في كل مناسبة رياضية.... هدف يبدو بعيد المنال على صعيد العاب القوى إذ أن الواقع يختلف كثيرا عما يتمناه اللبنانيون لكن الامل دائما يبقى بأن نرى أبطالا في هذه اللعبة يرفعون اسم لبنان عاليا لكن الشاعر يقول " و ما نيل المطالب بالتمني ".